الأحد, 20 أبريل 2025 11:38 AM

سوريا بعد الأسد: هل ينجح التعافي الاقتصادي في تضميد جراح الحرب؟

سوريا بعد الأسد: هل ينجح التعافي الاقتصادي في تضميد جراح الحرب؟

6 دقائق قراءة

التعافي الاقتصادي على سلم أولويات السوريين بعد سقوط الأسد

تسعة من كل عشرة أشخاص تحت خط الفقرة، وواحد من كل أربعة عاطل عن العمل في سوريا، البلد الذي أفسدت فيه سنوات الحرب ما يقرب من أربعة عقود من التقدم الاقتصادي والاجتماعي ورأس المال البشري بقلم ,  15 أبريل 2025

    محل لبيع المواد الغذائية في مدينة داريا بريف دمشق، 26/ 03/ 2025، (عبد المجيد القرح/ سوريا على طول)

    ريف دمشق، باريس- مر عيد الفطر ثقيلاً على عائلة سماح عبد الله، 35 عاماً، رغم ما حمله من “بهجة لقاء بعض أفراد العائلة لأول مرة منذ عدة سنوات”، نظراً للظروف المعيشية الصعبة، التي أفسدت عليها فرحتها بعودة المهجّرين وقضائهم عطلة العيد في مدينة دوما بريف دمشق. تعمل عبد الله في بيع الأواني المنزلية، وهي المعيلة الوحيدة لعائلتها، كونها زوجة معتقل قضى في سجون النظام وأم لأربعة أطفال أكبرهم قُتل، بعمر 14 عاماً، في غارة للنظام السوري البائد في عام 2016. كانت تتوقع أن تكون مبيعاتها في موسم شهر رمضان وعيد الفطر أفضل من العام الماضي، “لكثرة المهجّرين العائدين للمدينة”، إلا أن الواقع كان “عكس ذلك”، كما اشتكت في حديثها لـ”سوريا على طول”.

    على عكس العام الماضي، لم تتمكن عبد الله من “شراء كامل كسوة العيد ” لأبنائها كما فعلت في العام الماضي، ومع ذلك ترى نفسها أفضل من غيرها، قائلة: “قصّرت على أبنائي، لكن هناك عائلات لم تتمكن من شراء أي قطعة ملابس لأبنائها”.

    بعد سقوط النظام السوري في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024، عبّر المدنيون في مناطق نفوذه عن ارتياحهم، لا سيما في مناطق “التسويات”، في وسط وجنوب البلاد، بما فيها الغوطة الشرقية، التي كانت قبل عام 2018 تحت سيطرة المعارضة، نظراً لسياسة “” التي اتبعها النظام آنذاك بحق المدنيين.

    في الأيام الاولى لسقوط الأسد، انتعشت مدن وبلدات ريف دمشق اقتصادياً وعمرانياً، إذ  أسواقها  أسعار العديد من المواد الغذائية، هذا التحسن كان مرتبطاً بـ”الأمل” لا بالسياسات الاقتصادية المتبعة من الإدارة الجديدة للبلاد، التي تسببت في بعض الأحيان بالتأثير سلباً، جراء  المجال أمام البضائع التركية التي غزت الأسواق.

    “قبل رمضان أغرقت الملابس المستعملة (البالة) التركية أسواق ريف دمشق، ما أدى إلى تضرر محلات الألبسة ومشاغل الخياطة”، بحسب عبيدة ابن أخت سماح عبد الله، وهو صاحب مشغل خياطة في دوما، وبالتالي أثر تراجع سوقه عليه وعلى العاملين لديه في المشغل، كونهم يعملون بـ”نظام القطعة”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

    وبينما تحركت عجلة بعض المهن المرتبطة بالبناء ولوازم البناء “هناك العديد من الشباب والرجال من دون عمل”، بحسب الشاب، خاصة “مع عودة بعض المهجّرين وعدم قدرتهم على الانخراط في سوق العمل حتى الآن”، بحسب الشاب.

    انخفاض الأسعار وتراجع السوق

    “لا يمكن وصف شعورنا بسقوط النظام، لأننا صرنا نشعر بالأمان بعد أن كنا لا نأمن على أنفسنا ولا على عائلاتنا ولا على بيوتنا”، إضافة إلى “أننا كنا محاربين بكل شيء، حتى بربطة الخبز”، قال صالح الحسن، صاحب محل مواد غذائية في مدينة داريا في غوطة دمشق الغربية، لـ”سوريا على طول”.

    بعد سقوط النظام، انخفضت أسعار المواد في الأسواق، لدرجة أن بعضها “بنسبة خمسين بالمئة”، لأن العديد من المستوردين “ألغت 30 بالمئة من القيمة كانت تدفعها إتاوات للنظام”، بحسب الحسن، مشيراً إلى أن سعر كيس السكر، وزن 50 كيلو غرام، كان بحدود مليون وخمسمئة ألف ليرة (100 دولار تقريباً بحسب سعر الصرف قبل سقوط النظام البالغ 14750 ليرة للدولار)، بينما سعره هذه الأيام بحدود 360 ألف ليرة (32 دولاراً، بحسب سعر الصرف الحالي البالغ 10,925 ليرة للدولار).

    وكذلك، انخفض سعر كيلو رز الكبسة من 45 ألف ليرة (ثلاثة دولارات)، إلى 20 ألف ليرة (1.8 دولار بحسب سعر الصرف الحالي)، وانخفض سعر كيلو البرغل من 18 ألف ليرة (1.22 دولار) إلى ثمانية آلاف ليرة (0.75 دولاراً).

    رغم هذه الأرقام، التي “تشير إلى تعافي الأسواق”، كان لافتاً “تراجع المبيعات في موسم رمضان الحالي مقارنة بالعام الماضي”، وفقاً للحسن، قائلاً: “كنا نجهز لموسم رمضان قبل أسبوعين من قدومه، وتستمر الحركة بشكل كبير حتى موسم العيد”، بينما في العام الحالي “الحركة جداً سيئة”، ناهيك عن أن “انخفاض بعض الأصناف دفعنا إلى بيع الكميات المخزنة عندنا بخسارة”.

    وفيما عوّل الحسن على عودة مهجّري داريا إلى المدينة للمساهمة في انتعاش الأسواق بالمدينة، قال أن الحركة كانت مؤقتة، اقتصرت على “الأيام الأولى بعد التحرير”، لاسيما أن أوضاع العديد من العائدين سيئة “حتى في أماكن نزوحهم شمال غرب سوريا”.

    الوضع ذاته يعيشه أحمد جميل النكاش، 35 عاماً، صاحب مشغل مفروشات في مدينة داريا، الذي كان يجني دخلاً شهرياً يتراوح بين 250 و300 دولار، بينما لم يجني هذا المبلغ في ثلاثة أشهر مجتمعة بعد سقوط النظام، كما قال لـ”سوريا على طول”.

    ومع أن حركة الترميم في داريا بدأت منذ الأيام الأولى لسقوط النظام، إلا أن “الأسواق تعاني من جمود كبير، بما في ذلك سوق المفروشات”، بحسب النكاش، عازياً ذلك إلى “سوء الأوضاع الاقتصادية للعائدين، الذين يرمّمون منازلهم بالحدّ الأدنى، إضافة إلى مشكلة صرف الرواتب للموظفين الحكوميين” في الأشهر الثلاثة الأولى لسقوط النظام، وما تزال تداعياتها “مستمرة حتى الآن”.

    وبينما “أسهم المنتج التركي إيجابياً بشكل مؤقت على المواطنين”، كونه أسهم في “انخفاض أسعار بعض المواد”، إلا أن “له نتائج سلبية على المواطن وعلى الدولة وعلى المنتج المحلي”، لذا حاولت الحكومة السورية “ضبط الأسواق عبر عدة إجراءات، منها: تعديل الرسوم الجمركية على المواد المستوردة تشجيعاً للمنتجع المحلي”، بحسب الباحث الاقتصادي حيان حبابة.

    وتعليقاً على التدخل الحكومي في تحسين الاقتصاد المحلي، لفت حبابة في حديثه لـ”سوريا على طول” إلى أن العديد من الإجراءات الحكومية المتخذة، سواء على مستوى ضبط المنافذ البرية والبحرية، ومحاربة الفساد، ومواجهة البطالة المقنعة الموجودة في مؤسسات الدولة، إضافة إلى “الاتصالات على مستوى السياسة الخارجية”، تصب في صالح المواطن، ولكن “قد لا يرى المواطن النتائج على المدى القصير”.

    وأشار حبابة إلى أهمية “المبادرات” الموجودة في أغلب المدن السورية، في تحسين الظروف المعيشية للمواطنين، لكن “هذه المبادرات لا تبني اقتصاد دولة”، معتبراً أن “العقبة الأساسية أمام التنمية الاقتصادية هي العقوبات المفروضة على سوريا، خاصة العقوبات الأميركية”.

    في كانون الأول/ يناير،  الولايات المتحدة -جزئياً- سوريا من بعض العقوبات، وهي خطوة غير كافية، كونها لا تشمل الاستثمارات الخاصة اللازمة للتعافي الاقتصادي وإعادة الإعمار.

    وفي الشهر الذي يليه، أعلنت دول الاتحاد الأوروبي عن  عقوباتها المفروضة على سوريا التي تطال قطاعي الطاقة والنقل.

    وأجرى الاتحاد الأوروبي، أمس الاثنين,  بشأن سوريا خلال اجتماع وزراء الخارجية في لوكسمبورغ، وركز على مسألة الاستمرار في تخفيف العقوبات، التي اتخذها الاتحاد الأوروبي في شباط/ فبراير الماضي.

    وقالت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس أن “الاتحاد لم يلحظ خطوات كثيرة من القيادة الجديدة في دمشق”، مشيرة إلى أن الدول الأعضاء اتفقت على تقييم العملية حتى الآن.

    “تجارة الحرب”

    اشتكى صالح الحسن من التعاملات في السوق وتذبذب سعر الليرة مقابل العملات الأجنبية، مشيراً إلى أن عملية البيع والشراء بين البائع والمستهلك هي الليرة السورية، بينما الدولار هو المعتمد بين تجار التجزئة وتجار الجملة، وبالتالي يقع “التاجر الصغير ضحية تذبذب سعر الصرف”، على حد قوله.

    وأضاف: “التاجر يرفض التعامل معنا بالسوري ويقبض كامل مستحقاته بالدولار، وأثناء بيعنا بالليرة السورية يهبط سعرها وبالتالي تزيد مخاطر عملنا، خاصة أننا نجمع رأس مالنا ببطء، بسبب سوء أوضاع الناس الذين يشترون احتياجاتهم الضرورية وبكميات قليلة”.

    من جهته، ذهب راتب الشامي، تاجر حبوب في سوق دوما، إلى أن تذمّر الطبقة المتوسطة من التجار ليست مرتبطة بضعف حركة البيع فقط، “مع التأكيد على أن هذا واحد من الأسباب المهمة”، لكن “الكثير من التجار اعتادوا على تجارة الحرب، بمعنى أنهم كانوا طيلة السنوات الماضية يستفيدون من حالة الاحتكار، وتدهور سعر صرف الليرة وفرق العملة، وحققوا نتيجة تلك الظروف أرباحاً كبيرة”.

    وأضاف: “كان التجار يرفعون أسعار المواد متذرعين بارتفاع سعر الدولار وشح المواد في الأسواق”، وهي أسباب “بدأت بالزوال بعد سقوط النظام، إذ تحسنّ سعر صرف الليرة، وفُتحت الأسواق، ودخلت البضائع من دول الجوار، وهذا أدى إلى انخفاض نسبة أرباحهم وليس تراجع مبيعاتهم”، كما قال لـ”سوريا على طول”.

    وأشار الشامي إلى أن العديد من التجار “كانوا يخزنون كميات كبيرة من المواد ويطرحونها في السوق بعد ارتفاع قيمتها مستغلين حاجة المواطنين إليها”، لكن مع إغراق البضائع التركية للأسواق السورية، وانخفاض الأسعار “يحاول التجار طرح بضائعهم في السوق هرباً من تخزينها، لأن تخزينها في الوقت الحالي قد يعرضهم لخسارات كبيرة على عكس السابق”، وفقاً له.

    تركت الحرب في سوريا، التي استمرت لنحو أربعة عشر عاماً، نحو 90 بالمئة من السوريين تحت خط الفقر، إذ بحسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي: “تسعة من كل عشرة أشخاص في سوريا يعيشون في فقر، وإن واحداً من كل أربعة عاطل عن العمل”.

    وأشار  الصادر عن البرنامج في شباط/ فبراير الماضي، إلى أن “14 عاماً من الصراع في سوريا أفسدت ما يقرب من أربعة عقود من التقدم الاقتصادي والاجتماعي ورأس المال البشري”، معتبراً أن الاقتصاد السوري لن يستعيد مستواه قبل الصراع من الناتج المحلي قبل عام 2080.

    ومع ذلك، أبدى الشامي تفاؤله بتحسن الأوضاع الاقتصادية للسوريين قريباً، قائلاً: “رغم أن الظروف لم تتحسن إلا أن الناس تعيش بارتياح شديد وهذا سينعكس على طبيعة حياتها، بما في ذلك الحياة الاقتصادية”، ناهيك عن أن “الكثير من التحديات التي كانت تواجه فئة الشباب زالت بزوال النظام، من قبيل الاعتقالات والتجنيد الإجباري وفرض الإتاوات من حواجز النظام”.

    وبدورها، تأمل سماح عبد الله أن تُطوى صفحة الحرب مع تداعياتها، وأن تعيش مع أبنائها “حياة مادية وأمنية مستقرة”، وتعوض الفاتورة التي دفعتها خلال هذه السنوات بفقدان زوجها وابنها البكر.

    26/03/2025 27/02/2025 18/02/2025 12/02/2025 30/01/2025 17/01/2025

    مشاركة المقال: