سام هيلر: من أخطر التحديات التي تواجه سوريا خلال انتقالها السياسي، وفي هذا الزمن الحساس، موقف الولايات المتحدة من سوريا. ولقد أفادت لقاءات قمت بها في واشنطن مؤخرًا بأن إدارة الرئيس دونالد ترامب أكثر برودًا من سابقتها تجاه سوريا ما بعد الأسد، بل أنها متشككة جدًا في أمر القيادة السورية الجديدة، مما يصعّب على دمشق كسب الود الأمريكي الرسمي ورضا واشنطن بدعم الدول الأخرى لسوريا.
تواجه سوريا مخاطر عديدة في هذه المرحلة الدقيقة، منها التوترات بين مكونات الشعب السوري والدعوات للانتقام والثأر، والتقسيم الفعلي للأراضي السورية بين مناطق سيطرة لأطراف مسلحة، والاعتداءات الإسرائيلية المستمرة من الجو وعلى الأرض في الجنوب السوري. ومع ذلك، فإن الخطر الأعظم في رأيي الشخصي يظل الوضع المنهار للاقتصاد السوري والذي ورثته قيادة سوريا الجديدة من الرئيس المخلوع بشار الأسد. فلا بد للحكومة السورية الجديدة، من أجل إنجاح انتقال سوريا السياسي، أن تحقق أيضًا درجة من الاستقرار الاقتصادي تمهيدًا للتعافي والازدهار مستقبلًا.
تُعتبر السياسة الأمريكية من بالغ الأهمية في هذا الصدد، نظرًا للتأثير الواسع للعقوبات الأمريكية ولضرورة رفعها لإفساح المجال أمام شركاء أمريكا الإقليميين لدعم سوريا اقتصاديًا. ولقد قمت خلال النصف الأول من شهر نيسان بزيارة إلى واشنطن، حيث التقيت بمسؤولين أمريكيين من جهات حكومية مختلفة وبمصادر في الكونجرس للبحث في السياسة الأمريكية تجاه سوريا، مما تركني، في ختام زيارتي، متشائمًا بشأن موقف إدارة ترامب من سوريا وإمكانية إزالة العقوبات في المستقبل القريب.
سمعت خلال هذه اللقاءات ما يتطابق مع بعض التقارير الإعلامية الأخيرة التي تفيد بأن الآراء حول سوريا داخل إدارة ترامب منقسمة بين شخصيات تؤيد الانخراط المشروط مع الإدارة السورية الجديدة وبين شخصيات أخرى (منها سيباستيان غوركا، مسؤول مكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي) ترى أن القيادة السورية الجديدة “جهاديين” وعناصر “قاعدة” فعليًا، فكان يبدو لي أن هذا الفريق الأخير هو السائد حاليًا داخل الحكومة. كما سمعت أنه للموقف الإسرائيلي، المعادي للقيادة السورية الجديدة والداعي لإبقاء سوريا متفككة وضعيفة، تأثير كبير على تفكير إدارة ترامب حول سوريا.
ومع ذلك، وهذا قد يكون أهم من أي تباين في الآراء داخل الإدارة، سمعت أن الإدارة، بشكل عام، ليست مهتمة بسوريا، وأنها غير مكترثة لتداعيات تعثر الانتقال السياسي الحالي في سوريا، والذي لن تؤثر تبعاته على الولايات المتحدة بقدر ما يؤثر على أوروبا والدول الإقليمية. فلم تكن تصدر عن الإدارة، وأنا كنت في واشنطن، أي سياسة واضحة بشأن سوريا ولا توجيهات تنفيذية لأجهزة الدولة الأمريكية بهذا الخصوص.
من سوء حظ سوريا أنها دخلت في انتقالها من حقبة الأسد تزامنًا مع انتقال أمريكا من بايدن إلى ترامب، وذلك لسببين: أولهما الانقطاع الذي سيحصل تلقائيًا في أي انتقال من إدارة أمريكية إلى أخرى، مع ضرورة تشكيل فريق جديد وصياغة سياسة جديدة، وثانيهما، الموقف المتغاير والأكثر سلبية تجاه سوريا لدى إدارة ترامب. فبدأت الإدارة بقطع التواصل الدبلوماسي مع القيادة السورية، بعد أن كانت إدارة بايدن ترسل عدة وفود إلى دمشق، ترأست واحدًا منها مساعدة وزير الخارجية باربرا ليف.
فكان اجتماع نائبة مساعد الوزير ناتاشا فرانشيسكي مع وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني على هامش مؤتمر بروكسل في شهر آذار، والذي نقلت خلاله فرانشيسكي ورقة مطالب أمريكية للطرف السوري، أول لقاء رسمي بين واشنطن ودمشق منذ وصول ترامب للرئاسة، وذلك بعد شهرين تقريبًا من الانقطاع. ومن الملفت أيضًا صياغة إدارة ترامب لبياناتها وتصريحاتها بشأن سوريا، حيث أصرّت على وصف القيادة السورية بمصطلحات أمثال “سلطات سوريا المؤقتة” وذلك لعدم الإيحاء بالاعتراف السياسي بهذه الحكومة السورية.
تبدو فرص رفع العقوبات الأمريكية قليلة. وقد عرضت إدارة ترامب مقابل مطالبها من القيادة السورية إجراءات من شأنها أن تخفف من وطأة العقوبات على الاقتصاد السوري، ولكن بشكل محدود. فلا حديث عن خطوات أمثال رفع لـ”قانون قيصر”؛ وحتى التمديد للرخصة التي أعلنت عنها إدارة بايدن في شهر كانون الثاني غير مضمون، ومشروط بالإيفاء بالمطالب التي قدمتها واشنطن.
أما الكونجرس الأمريكي، فقالت لي مصادر إن الأقلية الديمقراطية في كل من مجلس النواب ومجلس الشيوخ في الأغلب تدعم الانخراط مع الحكومة السورية والتخفيف للعقوبات، بينما كانت الأغلبية الجمهورية أقلّ حماسة عن أي إجراءات قد تفيد “إرهابيين” في سوريا. فقد أصبح النائب الجمهوري جو ويلسن الراعي لقانون “مناهضة التطبيع مع الأسد” سابقًا ينشط الآن لرفع العقوبات عن سوريا، إلا أن مصادر قالت لي إن ويلسون لا يمثّل بهذا الموقف إلا عددًا محدودًا من نواب الحزب الجمهوري، والذي يميل معظم نوابه أكثر إلى الرواية الإسرائيلية حول سوريا وقيادتها الجديدة.
ولقد زرت واشنطن قبل سفر النائبين الجمهوريين كوري ميلز ومارلين ستاتسمان إلى دمشق، وسنرى إذا كان لزيارتهما تأثيرًا على موقف زملائهم الجمهوريين في واشنطن. وبالخلاصة، أرى أن سوريا وقيادتها الجديدة أصبحت في موقف حرج. فمن الصعب تصور طريق لتحقيق الاستقرار والبدء بالتعافي من دون رفع للعقوبات الأمريكية، ولو جزئيًا، ولكن إدارة ترامب قد وضعت شروط صعبة جدًا حتى لأبسط الإجراءات للتخفيف من أثر العقوبات.
ورغم محاولات الحكومة السورية لأن تستجيب لبعض المطالب الأمريكية، لا توجد مطالب تمسّ فعلًا بالسيادة السورية، أمثال إعلان دمشق عن دعمها الصريح للضربات العسكرية الأمريكية ضد أهداف “إرهابية” على الأراضي السورية. وكانت بعض الأوساط السورية- الأمريكية ترجّح دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ظنًا منها بأنه سوف يكون أكثر تأييدًا لقضيتهم، وذلك نظرًا لسجله في ولايته الأولى. إلا أن إدارة ترامب في نسختها الثانية ليست صديقة لسوريا وشعبها. ولقد استنتجت من لقاءاتي في واشنطن أن السوريين يواجهون واقعًا أمريكيًا صعبًا، وأن فرص تحقيق اختراق ما محدودة.