الثلاثاء, 26 أغسطس 2025 10:47 PM

شارع الدبلان في حمص: قصة عصب تجاري حي وذاكرة مدينة

شارع الدبلان في حمص: قصة عصب تجاري حي وذاكرة مدينة

حمص-سانا: يتربع شارع الدبلان في قلب مدينة حمص كأحد أبرز معالمها التاريخية والتجارية. يمتد هذا الشارع على مسافة تقارب الكيلومتر، ويحظى بمكانة مميزة لدى سكان المدينة وزوارها على حد سواء، فهو يعتبر العصب التجاري الأهم في حمص بفضل احتضانه لعدد كبير من المحال التجارية والعلامات المعروفة.

لم يكن شارع الدبلان مجرد ممر تجاري، بل تحول على مر العقود إلى متنفس شعبي ومقصد للترفيه وتناول المأكولات الشعبية والبوظة. كما كان ساحة للقاءات اجتماعية بين أهالي المدينة، واقترن اسمه بالاحتفالات الشعبية والمسيرات التي تعقب الانتصارات الرياضية والمناسبات الوطنية، ليصبح رمزاً للتلاحم الاجتماعي والفرح الجماعي، وصورة حقيقية تعكس روح مدينة حمص.

من شارع المتنبي إلى الدبلان… تاريخ يتجدد منذ 1926

التقت مراسلة سانا برئيس الجمعية التاريخية في حمص وأقدم أساتذة التاريخ في المدينة، ياسر البيطار، الذي أوضح أن شارع الدبلان كان يُعرف في البداية باسم شارع المتنبي. ثم اكتسب اسمه الحالي بعد افتتاح مقهى "أمين الدبلان" عام 1926 بالقرب من الساقية المجاورة لسكة القطار وخلفها نادٍ رياضي للمصارعة. وأشار إلى أن الشارع شهد لاحقاً افتتاح سينما الفاروق، التي تعتبر أقدم صالة سينما في حمص، ودار اللغات، بالإضافة إلى استديوهات التصوير الشهيرة مثل حداد وصباغ، والعديد من الورش الحرفية.

الستينيات والسبعينيات… بداية النشاط التجاري والنهضة العمرانية

أوضح البيطار أن فترة الستينيات شهدت بداية النشاط التجاري المنظم في الشارع مع ظهور مكتبات معروفة ومحال خياطة ومشافٍ. وفي السبعينيات، بدأت نهضة عمرانية تمثلت في بناء الأبراج الحديثة مثل بناء الأتاسي.

سنوات الحرب… توقف الأسواق بين 2012 و2014

أشار البيطار إلى أن الحركة التجارية في الشارع توقفت لمدة عامين تقريباً بين عامي 2012 و 2014 نتيجة للاشتباكات والحصار الذي فرض على المدينة من قبل النظام البائد، مما أدى إلى تضرر العديد من المحلات التجارية بسبب السرقة والتخريب. ومع ذلك، سرعان ما استعاد الشارع حيويته تدريجياً بعد التحرير، وعاد اليوم مركزاً نابضاً بالحياة يستقطب آلاف الزوار يومياً، خاصة خلال مواسم الأعياد والاحتفالات الوطنية بالقرب من ساحة الساعة.

التجار يروون ذاكرة ستة عقود من السوق

سعد الدين نوح، أحد تجار شارع الدبلان الذي يعود عمر محله إلى أكثر من ستين عاماً، قال: "عشنا مراحل متعددة من تاريخ هذا الشارع، من الزمن الذهبي الذي كان يعج بالحياة والمحال القديمة إلى فترات الركود والصعوبات. واليوم نلمس عودة قوية للحركة التجارية، وهذا يبعث الأمل في نفوسنا كتجار وأهالٍ."

ملتقى اجتماعي لكل الشرائح

أما غسان سالم، الذي يعمل في مطعم "الشباب" منذ عقود، فأشار إلى رمزية شارع الدبلان التي تكمن في احتضانه مختلف الشرائح الاجتماعية من طلاب وعائلات وأصحاب مهن وزوار من خارج حمص. وأضاف: "اليوم نرى الشارع يستعيد مكانته كسوق وشريان اقتصادي وساحة للقاء اجتماعي، والحركة فيه أفضل مما كانت عليه في السنوات الماضية."

قيم المهنة وروح التعاون بين التجار

بدوره، تحدث أحمد قانصوه، صاحب أحد محال الألبسة، عن قيم المهنة الأصيلة لدى تجار الدبلان، قائلاً: "تميّز تجار الدبلان منذ القدم باحترامهم الكبير لمهنتهم وحرصهم على الحفاظ على سمعة السوق. وكانوا دائماً يراعون بعضهم بعضاً في العمل والتعامل، الأمر الذي ساعد على ترسيخ روح التعاون بينهم، وجعل الشارع يتمتع بمكانة خاصة لدى أهالي حمص وزواره."

ذكريات شخصية مع المكان

أوضحت المواطنة وصال أحمد، من أهالي مدينة حمص، أن ما يميز شارع الدبلان هو توفر مختلف الاحتياجات في مكان واحد، مما يجعله مقصدها الدائم للتسوق مع عائلتها، بالإضافة إلى ارتباطها بالمكان كوجهة اعتادت زيارتها منذ سنوات طويلة.

أشار الطالب الجامعي حسين علي إلى ارتباطه الروحي بشارع الدبلان منذ طفولته، حيث اعتاد أن يرافق أسرته لشراء مستلزمات المدرسة وملابس الأعياد من هناك. وأضاف أن هذه الذكريات جعلت الشارع بالنسبة له ليس مجرد سوق، بل جزءاً من ذاكرته الشخصية التي ما يزال يحافظ عليها حتى اليوم.

الدبلان اليوم… رمز لتعافي حمص

يعد شارع الدبلان، برمزياته ومعالمه، أكثر من مجرد سوق، بل هو ذاكرة حية للمدينة. وإن انتعاشه وحيويته الدائمة سيبقيانه رمزاً لتعافي حمص وعودة الحياة إليها بعد كل ما مرّت به من محن.

مشاركة المقال: