الأربعاء, 9 يوليو 2025 01:07 PM

صناعة الأحذية في حلب تواجه خطر الاندثار: آلاف الورش مهددة بالإغلاق بسبب الاستيراد

صناعة الأحذية في حلب تواجه خطر الاندثار: آلاف الورش مهددة بالإغلاق بسبب الاستيراد

في الأحياء التي كانت تعج بضجيج آلات القص والخياطة، وتفوح منها رائحة الجلد والعمل، يسود الصمت الآن. ورشات الأحذية في حلب، التي لطالما دعمت الاقتصاد المحلي بمنتجات عالية الجودة، تكافح اليوم من أجل البقاء في مواجهة موجة الاستيراد المتزايدة.

قرار يثير الجدل

القرار الذي سمح بدخول الأحذية الجاهزة وأوجه الأحذية الرياضية، أحدث خللاً في السوق، وتسبب في فقدان آلاف العاملين لمصدر رزقهم، ويهدد صناعة حلبية تعتبر من أقدم وأهم الحرف اليدوية في البلاد. الحرفيون الذين توقفت آلاتهم عن العمل، لم يسكتوا، بل رفعوا أصواتهم ووجهوا نداءات، ولكن يبدو أن المسؤولين عن اتخاذ القرار غير مهتمين بالوضع المتدهور لهذه الحرفة. ووصف الحرفيون القرار بأنه "مجحف"، حيث أدى السماح باستيراد الأحذية الجاهزة وأوجه الأحذية الرياضية إلى إغلاق مئات الورش الحرفية في حلب، في حين تعمل ورش أخرى بقدرة جزئية بالكاد تكفي لتغطية النفقات. وأشار عدد من العمال والصناعيين إلى أن هذا القرار تسبب في ضرر مباشر لآلاف العمال، واعتبروه تهديداً حقيقياً لمهنة عمرها يتجاوز القرن، والتي كانت تساهم حتى وقت قريب في دعم الاقتصاد المحلي وتصدير المنتج الحلبي إلى الأسواق العربية والعالمية.

تتزايد المخاوف اليوم من زوال هذه الحرفة بالكامل، في ظل غياب حلول حقيقية وتزايد البطالة، خاصة بين الشباب الذين يعتمدون على هذا القطاع كمصدر دخل رئيسي. في أحياء الصالحين والفردوس والشيخ خضر والهلك، حيث كانت أصوات آلات القص والخياطة لا تهدأ، يسود الصمت الآن، ولكن بدلاً منها، ارتفعت أصوات الصناعيين وأصحاب الورش للمطالبة بإنصافهم. وتواصل عشرات الحرفيين مع صحيفة الثورة لإيصال صوتهم إلى الجهات الحكومية، معربين عن رفضهم لإغراق السوق بالأحذية المستوردة، ودعوا إلى وقف القرار فوراً وإنقاذ ما تبقى من الصناعة الوطنية التي كانت دائماً عنواناً للجودة والتميز في المنطقة.

الورشات تحتضر

يقول أبو علي، صاحب ورشة في حي الصالحين: "افتتحت ورشتي عام 1980، وكان يعمل فيها أكثر من 20 عاملاً، اليوم لم يتبق سوى اثنين. منذ دخول الأحذية الجاهزة والأوجه المستوردة من الصين ولبنان، توقفنا عن الإنتاج الكامل، وصرنا نركب النعل ونبيع، وهذا ليس شغلنا، هذا تجميع وليس صناعة"، مضيفاً بأنه سيقوم بإغلاق الورشة إذا استمر الوضع على ما هو عليه.

تقول ابتسام، وهي عاملة سابقة في ورشة مغلقة بمنطقة المقامات: "حينما أغلقت الورشة التي كنت أعمل فيها أصبحت أنا وزملائي بلا دخل". وتوافقها الرأي زميلتها أم محمد، مطالبة بالعيش بكرامة وتأمين مستلزمات الحياة.

صناعة تنهار بالأرقام

زار فريق "الثورة" مكتب الجمعية الحرفية لصناعة الأحذية في حلب، وأكد رئيس الجمعية حسن كناس أن القرار الحكومي سمح بإدخال الأحذية والأوجه الجاهزة التي تشكل ما نسبته 70 بالمئة من مكونات الحذاء، مما أدى إلى تراجع واضح في نسبة التصنيع المحلي، مشيراً إلى أن أكثر من 700 ورشة أغلقت خلال عام واحد فقط، مما أدى إلى فقدان آلاف فرص العمل، غالبيتها من الشباب والنساء. وشدد كناس على أن أكثر من 3000 ورشة قائمة ومئات المعامل في حلب قادرة على التصنيع الكامل لو توفرت بيئة إنتاج حقيقية. وتابع: رغم عشرات المذكرات والكتب التي رفعها الحرفيون إلى الجهات المعنية، لم تصدر أي استجابة رسمية حاسمة، بل اكتفت حكومة النظام البائد بتصريحات باهتة تفيد بأن الاستيراد جاء "لتلبية حاجة السوق"، واليوم، يُقال إن القرار قيد المراجعة.

يرى صناعيون محليون أن السوق المحلي قادر وبجدارة على تغطية حاجة السوق إذا تم تقديم تسهيلات خاصة بالصناعة ومنع إغراق الأسواق بالبضائع المستوردة.

وقف الاستيراد هو الحل

أكد عدد من الصناعيين الذين التقتهم صحيفة الثورة أن الحلول ممكنة إذا توفرت الإرادة السياسية، وأبرز المقترحات الممكنة هي وقف استيراد الأوجه الجاهزة بالكامل، أو تقييده بشروط صارمة، وفرض رسوم جمركية تصاعدية على المستوردات لحماية المنتج المحلي، وكذلك دعم الصناعات التكميلية (كالنعل والغراء والقماش المحلي)، إضافة إلى إعادة تأهيل المناطق الصناعية (كهرباء، ماء، طرق، تراخيص)، إلى جانب تقديم قروض تشغيلية بفوائد منخفضة لتجديد الورش وتوسيع خطوط الإنتاج.

وتعتبر صناعة الأحذية في حلب إرثاً عريقاً وشرياناً اقتصادياً لآلاف العائلات، ولا يجوز تركها تنهار بهذا الشكل، تحت وطأة قرارات عشوائية واستيراد غير مبرر، لأن في ذلك خسارة للهوية وللاقتصاد المحلي.

اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الثورة

مشاركة المقال: