الخميس, 23 أكتوبر 2025 10:37 PM

طريق الباب في حلب: عودة الحياة رغم تحديات نقص الخدمات

طريق الباب في حلب: عودة الحياة رغم تحديات نقص الخدمات

في الجانب الشرقي من حلب، حيث لا تزال آثار الحرب واضحة، ينهض حي طريق الباب كرمز للصمود والإصرار على الحياة بعد سنوات من الدمار والنزوح. على الرغم من الخراب الذي لحق بالمباني والبنية التحتية، يسعى السكان العائدون إلى ترميم ما يمكن ترميمه وإعادة الحياة إلى الشوارع القديمة، في ظل نقص حاد في الخدمات وغياب شبه كامل لمشاريع إعادة الإعمار.

بعد غياب دام اثنتي عشرة سنة، عاد عبدالسلام حمود إلى منزله في حي طريق الباب، محملاً بالحنين. يقول بصوت يملؤه الشوق والأسى: "غادرنا بسبب القصف والخوف على الأطفال. عشنا في تركيا، لكننا لم نشعر بالراحة، فالوطن له طعم آخر. عدنا بعد التحرير فوجدنا الشوارع مدمرة والمدارس مهدمة، لكن العودة كانت ضرورة... هنا أصلنا، وهنا الناس الذين يشبهوننا".

يقف عبدالسلام اليوم في حيّه الذي تغيرت ملامحه، لكنه لا يزال يشعر بأن كل حجر فيه يعرفه. ويتابع بابتسامة تخفي تعب البدايات: "كنت أملك مطعمًا قبل الحرب، وعدت لأبدأ من الصفر. نأمل أن تهتم الجهات المعنية بالشوارع وتنظيم الأسواق وترميم المدارس.. نريد أن يعود الحي كما كان: نظيفًا، فيه كهرباء ومياه، وحياة كريمة".

بالقرب من مطعمه القديم، يواصل سامر بنشي رحلته في إعادة بناء منزله الذي تضرر بسبب الحرب. يروي قصته ببساطة: "عدت رغم كل شيء. البيت تهدّم، لكنني بدأت بإصلاحه بيدي. هنا الذكريات، وهنا الطفولة، وهنا الحياة". يؤمن سامر أن ما تهدّم يمكن أن يُبنى من جديد، طالما القلب متشبثًا بالأرض، وأن العودة إلى الجذور هي بداية الاستقرار.

في الجانب الآخر من الحي، يتحدث عماد هلال، أحد أقدم سكان طريق الباب، عن الصعوبات اليومية التي يواجهها السكان، من ضعف الخدمات العامة إلى انقطاع الكهرباء ونقص المدارس. يقول: "الوضع صعب للغاية، لكننا متفائلون بأن القادم سيكون أفضل. أبرز احتياجاتنا هي النظافة، والمدارس، والكهرباء. لدينا مدرسة واحدة فقط، ويضمّ الصف الواحد أكثر من ستين طالبًا"، مشيرًا إلى أن شبكة الصرف الصحي تعاني من أعطال تحتاج إلى صيانة، فيما تحسّنت الكهرباء قليلًا، وأصبحت تأتي بحدود ست ساعات يوميًا، لكن بعض الشوارع ما زالت بلا تمديدات".

أوضح هلال أن الخدمات الأساسية غير كافية لتلبية احتياجات السكان، مشيرًا إلى أن الخبز متوفر بفضل وجود أكثر من أربعة أفران داخل الحي، إلا أن الازدحام أمامها يشكّل معاناة يومية. وأضاف أن الوضع الأمني تحسّن مقارنة بالسنوات الماضية، لكن البنى التحتية والخدمات ما تزال بحاجة إلى دعم حقيقي ومستمر، مضيفًا: "تحسين واقع الكهرباء والنظافة والمدارس هو المدخل الأساسي لعودة مزيد من العائلات إلى الحي واستقراره من جديد".

مختار الحيّ، درغام حمادي، يلخص الوضع العام قائلاً: "تحسّن الوضع قليلًا، لكن الحيّ ما زال بحاجة إلى الكثير. المنازل مدمّرة، والمدارس خارجة عن الخدمة، والمراكز الصحية غائبة، فيما تنتشر القمامة بكثافة في الشوارع". ويشير إلى أن البلدية تعمل ضمن إمكانياتها المحدودة، ولا تقدّم أكثر من عشرة بالمئة من احتياجات الحي، مضيفًا أن الكهرباء تحسّنت قليلًا بعد رفع ساعات التشغيل بمعدل ساعتين يوميًا، ومن المتوقع أن تصل إلى أحياء جديدة خلال الشهرين المقبلين.

أوضح أن حملة "لعيونك يا حلب" ساهمت في ترحيل جزء من الأنقاض، إلا أن الحي ما زال بحاجة إلى جهود مضاعفة لاستكمال إزالة الركام، مشيرًا إلى أن تراكم الدمار وإغلاق بعض الطرق يعيقان عودة الكثير من العائلات. وقدّر حمادي عدد العائلات العائدة إلى الحيّ بعد سقوط النظام بنحو 450 عائلة، معظمهم عادوا من تركيا ومن ريف حلب الغربي، موضحًا أن انخفاض إيجارات المنازل في الأحياء الشرقية يشكّل حافزًا للعودة، مقارنة بالارتفاع الكبير في الإيجارات ضمن الأحياء الغربية من المدينة.

رغم قسوة المشهد، تتحدث وجوه العائدين عن حنين لا يُكسر، وإرادة تُرمّم ما هدمته الحرب، فحيّ طريق الباب ليس مجرد حيّ يعود للحياة، بل ذاكرة أنفس فُقدت وأخرى ما زالت تكافح كي تعود إلى الحياة.

مشاركة المقال: