يعيش ما لا يقل عن 190 شخصًا سُجنوا لمشاركتهم في الثورة السورية داخل سجن رومية -شمال شرق بيروت- أوضاعاً مأساوية بعد سنوات من الاعتقال التعسفي دون محاكمات عادلة، ويواجهون اكتظاظًا شديدًا، ورعاية طبية غير كافية أو شبه معدومة، وفرصاً محدودة للتمثيل القانوني.
ومن هؤلاء الشاب السوري "ع.ب " الذي ينحدر من "قلعة الحصن" بريف حمص الغربي ومضى على وجوده داخل أسوار السجن سيء الصيت أكثر من 10 سنوات دون محاكمة أو أي بارقة أمل بالإفراج، رغم سقوط نظام الأسد وتبدل الظروف والأجواء.
من قلعة الحصن إلى سجن رومية
وكان الشاب الذي اختار الإشارة إلى رموز اسمه خوفاً من الأجهزة الأمنية داخل السجن قد ترك دراسته بعد الحصول على شهادة التاسع ليعيل أسرته، وعقب اندلاع الثورة السورية عام 2011 التحق بصفوفها، وبعد الأحداث التي شهدتها المنطقة بقي في بلدته "قلعة الحصن" حتى آخر رمق -كما يقول لـ"زمان الوصل"- مضيفاً أنه نزح إلى لبنان في آخر نزوح للأهالي ملتحقاً بأهله الذين سبقوه إلى هناك ليسكن في عكار، وبدأ بالعمل في المهن الحرة لتأمين لقمة عيشه، وتعرض قبل الإعتقال للملاحقة والتضييق من قبل مليشيا "حزب الله" لكونه من أهالي قلعة الحصن المعارضة لنظام الأسد المخلوع.
ويروي محدثنا أن الجيش اللبناني اعتقله عام 2015 وإلى الآن لازال محتجزاً في سجن رومية مع العشرات من السوريين، وخلال السنوات العشر الماضية عُرض لمرة واحدة على قاضي التحقيق الأول، ولم يتم محاكمته ولا يعرف مصيره أو ماهي التهم التي لفقت له.
مماطلة المحاكمات
ويضيف أنه بقي لثلاثة أشهر في الأفرع الأمنية في لبنان تعرض خلالها لأقسى أنواع التعذيب الجسدي والضغوط النفسية، حيث تم تهديده بإحضار والدته وشقيقته إذا لم يوقع على اعترافات لا أساس لها من الصحة، وأشار إلى أن كل معتقل لا يستطيع الصمت، بل عليه اختلاق قصة والاعتراف بها لوقف التعذيب.
غير أن المشكلة الأكبر في مماطلة المحاكمات التي "تحرق" أجمل سنوات حياته وحياة رفاقه السجناء.
وفقًا لتقرير منظمة العفو الدولية، لم تفِ السلطات اللبنانية بالتزاماتها باحترام حقوق اللاجئين السوريين الذين اعتقلتهم واحتجزتهم بمزاعم الإرهاب، علمًا بأن القانون الدولي يحظر الاعتقال أو الاحتجاز أو السجن دون سند قانوني.
سجن رومية
وشُيّد سجن رومية شمال شرق بيروت وهو أحد أكبر سجون البلاد، لاستيعاب 1200 سجين فقط، لكنه يضم حاليًا نحو 4000 سجين. وقد أدى ذلك إلى نقص الرعاية الطبية، وتدهور خطير في نظافة السجن، وتفاقم معاناة السجناء اليومية جراء الإكتظاظ ، إذ تتراوح نسبة الاكتظاظ بين 190 و380%، بينما تبلغ نسبة السجناء غير المحكوم عليهم حوالي 79% من إجمالي عدد السجناء.
ظروف غير إنسانية
ووفق "المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان" يعاني غالبية السجناء السوريين في لبنان من ظروف معيشية غير إنسانية، تشمل الاكتظاظ الشديد في الزنازين، وسوء المعاملة، ونقص الخدمات الأساسية والرعاية الطبية. ولذلك، لا تفي هذه السجون بالمعايير الدنيا لمعاملة السجناء. ويتعرض بعض المعتقلين، وخاصةً الموقوفين بتهم تتعلق بالإرهاب، لسوء المعاملة أو حتى للتعذيب. ويُعد هذا انتهاكًا خطيرًا للقوانين المحلية والتزامات لبنان الدولية، التي تحمي الحق في الحرية الشخصية، والحق في عدم التعرض للاعتقال أو الاحتجاز التعسفي، وكذلك الحق في محاكمة عادلة والحق في عدم التعرض للتعذيب وسوء المعاملة.
فارس الرفاعي - زمان الوصل