الأحد, 20 أبريل 2025 11:05 AM

عودة الحياة إلى غوطة دمشق: قصص مزارعين يتحدون آثار الحرب والجفاف

عودة الحياة إلى غوطة دمشق: قصص مزارعين يتحدون آثار الحرب والجفاف

غوطة دمشق تنهض من تحت رماد الحرب بجهود مزارعيها

ألحقت سنوات الحرب والجفاف وسوء الإدارة في عهد نظام الأسد الدمار بسهول غوطة دمشق، وهو ما يزيد من التحديات التي تواجه المزارعين في إعادة الحياة لأراضيهم.

في القرن الثاني عشر، وصف الشاعر والرحّالة الأندلسي ابن جبير بساتين غوطة دمشق أنها أحدقت بالعاصمة إحداق الهالة بالقمر. تقع دمشق وسط واحة خصبة اسمها "الغوطة"، حيث كانت بساتين الزيتون والأشجار المثمرة مزدهرة في يوم من الأيام. ولكن بحلول أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أدى التطور الحضري السريع والعشوائي وسوء إدارة الموارد في ظل نظام الأسد البائد، بالإضافة إلى موجات الجفاف الشديد، إلى جفاف جزء كبير من النهر.

ثم جاءت ثورة آذار/ مارس 2011، وعلى مدار سنواتها والحصار الذي فرضه النظام خلال سنواتها الأولى، تحولت الكثير من الأراضي -التي تعاني من جفاف- إلى ميادين للمعارك، حيث آلاف الأشخاص، ودُمّرت مساحات شاسعة من حقول الغوطة وبساتينها.

في عام 2018، بعد توقف المعارك في المنطقة، بموجب اتفاق تسوية بين المعارضة السورية ونظام الأسد، انتهى بسيطرة الأخير على الغوطة، بدأ بعض مزارعي الغوطة بحراثة أراضيهم وإعادة زراعتها. فيما عاد آخرون بعد سقوط النظام، في كانون الأول/ ديسمبر 2024، وبدأ الكثير منهم العمل من الصفر، رغم وجود العديد من التحديات التي تواجههم لإعادة الحياة إلى أراضيهم، بسبب التلوث ونقص المياه والوقود وحجم الدمار الهائل.

في يوم غائم بمدينة داريا في الغوطة الغربية، كان عمر أبو الهوى، 52 عاماً، يحصد الكراث من أرضه التي زرعتها عائلته على مدى أجيال. فرّ المزارع من أرضه في عام 2011، بعد فترة وجيزة من اندلاع الثورة، ليعود إليها في عام 2019، بعد سنوات قليلة من توصل الأسد إلى أفضى إلى خروج مقاتلي المعارضة، عام 2016، من المدينة إلى الشمال السوري.

ترك بالغازات الكيميائية، في شباط/ فبراير 2015، أجزاء كبيرة من أرضه البالغة مساحتها 15 دونماً غير صالحة للزراعة لعدة سنوات، على حد قوله. مبادرة الإصلاح العربي في عام 2021 أن الأسلحة الكيميائية لوثت المياه الجوفية والتربة، لذا “من المرجح أن يسبب مخاوف بيئية خطيرة على مستقبل الزراعة في سوريا“.

أشار حسام اللحام، مسؤول حكومي محلي، إلى رمزية العنب بالنسبة للمدينة، قائلاً: “تشتهر داريا بالعنب، لدرجة أنها سميت مدينة العنب والدم”. في بداية الثورة السورية عام 2011، كانت داريا مركزاً للحراك السلمي ضد نظام الأسد، إلا أن الأخير رد بعنف. في 20 آب/ أغسطس 2012، بدأت قوات النظام بقصف المناطق السكنية والمستشفيات بشكل عشوائي، وسرعان ما دخلوا المدينة مجزرة في غضون 72 ساعة، كما نفذوا إعدامات جماعية للرجال والنساء والأطفال. وعلى مدار ستة أيام، النظام أكثر من 700 شخص، في واحدة من أكثر المجازر دموية في الحرب.

“تاريخياً، كانت داريا تزود دمشق بثمارها، وكان الحصاد وفيراً في السابق”، بينما الآن “بسبب الحرب، قُطعت جميع الأشجار، ولم يبق شيء شاهداً على ما كانت عليه في السابق”. وأشار اللحام إلى أنه بالإضافة إلى القصف العنيف، أسهمت قوات النظام في تدمير بساتين داريا، إذ تم قطع الأشجار وبيعها كحطب.

على بُعد حوالي 30 كيلومتراً من داريا، وقف محمد فطوم، البالغ من العمر 50 عاماً، بجانب مضخة صدئة كان يستخدمها لسقي الملفوف (الكرنب) في حقل قريب بمدينة دوما في الغوطة الشرقية. قال فطوم أنه كان يسحب المياه -عبر المضخة- من عمق حوالي 25 متراً، وهي مهمة تتطلب كمية باهظة من الوقود.

في عام 2018، أدى هجوم بالأسلحة الكيميائية على المدينة إلى أكثر من 40 شخصاً وإصابة المئات.

“من دون نهر بردى، لن يكون هناك غوطة ولا دمشق، لأنه مصدر الري ومياه الشرب الرئيسي”، قال فارس، الباحث البيئي.  وأشار فارس إلى أن نبع بردى يزود دمشق بحوالي 15 بالمئة من مياه الشرب، فيما يوفر نبع عين الفيجة 65 بالمئة من مياه العاصمة. ويتعرض كلا المصدرين الحيويين للتهديد.

ليس بعيداً عن أرض فطوم في دوما، كان عيسى مصطفى المصري يتجول في حقله المزروع بالملفوف (الكرنب) والفاصوليا بالقرب من شجرة زيتون قديمة مشوهة. كانت الشجرة جرداء، وجميع أغصانها مقطوعة، وهي تشبه باقي أشجار الزيتون الأخرى في أرضه، بعضها مقطوع وبعضها الآخر عبارة عن جذوع بارزة من الأرض.

بين عامي 2013 و2018، حاصرت قوات النظام دوما، وقطعت عنها الغذاء والوقود، بحسب المصري قائلاً: “لم يكن هناك غاز ولا مازوت ولا كهرباء”. وأضاف: “كان علينا حرق أغصان [أشجار الزيتون] من أجل التدفئة والطبخ”، لإنقاذ الأطفال “الذين كانوا يموتون من البرد والجوع”.

بعد سقوط النظام في ديسمبر/كانون الأول، عاد محمد المصري، البالغ 20 عاماً من العمر، إلى المزرعة. كان قد فرّ إلى الأردن في عام 2023 لتجنب التجنيد الإجباري في الجيش، لكنه قال إنه يخطط الآن للبقاء لمساعدة والده.

مشاركة المقال: