يعاني سكان ريف المعرة الشرقي في ريف إدلب الجنوبي، وتحديدًا بلدات مثل تلمنس، الغدفة، جرجناز، معرشورين، ومعرشمارين، من غياب شبه تام للخدمات الصحية، رغم عودة عدد كبير من الأهالي إلى منازلهم المدمرة جزئيًا أو كليًا بعد سنوات من النزوح. وتعدّ هذه المنطقة اليوم واحدة من أكثر المناطق تضررًا من الناحية الطبية، وسط انتشار الأمراض وصعوبة الوصول إلى أقرب نقطة إسعافية.
طريق طويل نحو العلاج
“ما في ولا نقطة طبية بالمنطقة، أقرب مركز طبي إلنا بيبعد 75 كيلومترًا!” بهذه الكلمات يختصر الستيني محمود الموسى، وهو أحد أهالي بلدة تلمنس، المعاناة اليومية لأهالي الريف الشرقي لمعرة النعمان. ويضيف: “تعرض ابني لإصابة خطيرة أثناء عمله بالبناء، واضطررنا إلى نقله مسافة طويلة لإنقاذ حياته، وهذا السيناريو يتكرر يوميًا”. رغم كثافة السكان العائدين إلى هذه القرى، فإنها ما تزال بلا أي مستوصف أو مركز صحي، الأمر الذي اعتبره أهالي المنطقة “كارثة صحية حقيقية”، في وقت تبلغ فيه نسبة دمار البنية التحتية مستويات صادمة: 95% في الغدفة، 88% في تلمنس، و70% في كل من جرجناز، معرشورين، وسط محاولات فردية للترميم والسكن.
دعوات لافتتاح مراكز صحية عاجلة
الدكتور رامي العليق، وهو أحد أبناء بلدة تلمنس، شدد في حديث خاص على ضرورة الإسراع بإنشاء نقطة طبية في المنطقة، قائلًا: “الناس بحاجة ماسة لأدوية ضغط، سكري، قلب، مضادات حيوية، وأدوية للأمراض المزمنة، فضلًا عن مستلزمات الإسعاف الأولي والوقاية الشخصية”. واعتبر العليق أن غياب مركز صحي يخدم هذه المنطقة المأهولة “أمر غير مبرر على الإطلاق في ظل الحاجة الطارئة”. وطالب الدكتور رامي بضرورة تأمين مركز صحي لتقديم لقاح الحصبة وأمراض اللشمانيا والأمراض الأخرى لتخفيف المعاناة عن آلاف العائلات الموجودة في المنطقة.
بدوره، لفت الناشط خطيب الإدلبي إلى معاناة أصحاب الأمراض المزمنة الذين يفقدون حياتهم بسبب تأخير العلاج، وقال: “عمي كان مريضًا، وعندما اشتد المرض عليه، توفي معنا أثناء إسعافه إلى مدينة إدلب من بلدتنا تلمنس. هذا المشهد يتكرر مع العديد من العائلات التي تواجه مصيرًا مشابهًا بسبب بُعد المشافي وانعدام نقاط الإسعاف”. ويضيف الإدلبي: “وجود نقاط طبية مؤقتة أو حتى سيارات إسعاف مجهزة بات أمرًا ضروريًا. أحيانًا تحتاج فقط لإبرة أو تعليق سيروم، لكن ذلك يتطلب قطع أكثر من 80 كيلومترًا، وهذا غير منطقي”.
تشير شهادات السكان إلى أن انتشار القمامة والأوساخ في القرى المدمرة يعزز من احتمالات انتشار الأوبئة، لا سيما في ظل غياب النظافة العامة وعدم وجود حملات صحية توعوية أو رقابية. وتؤكد أم أحمد أن “أي تأخير في التحرك سيضاعف من معاناة الناس، ويحول المنطقة إلى بؤرة كارثية صحيًا، خاصة للأطفال وكبار السن”.
الصحة توضح واقع الخدمات في المعرة وتعلن عن تفعيل مركز صحي جديد
تواصلت مع مديرية الصحة للاطلاع على الحلول المتوقعة، بدورها أعلنت مديرية الصحة عن قرب افتتاح مركز معرة النعمان الصحي، وذلك بعد زيارة ميدانية أُجريت للمركز قبل يومين، تمهيدًا لتفعيله بشكل رسمي الأسبوع المقبل بدعم من منظمة “الأمين” الإنسانية. وأوضح الدكتور جمعة اليسوف، رئيس دائرة الرعاية الصحية الأولية في المديرية، في حديث خاص لمنصة أن المركز سيقدم حزمة من الخدمات الأساسية في الرعاية الصحية الأولية، تشمل: الصحة الإنجابية، والتغذية، والصحة النفسية، وخدمات المخبر والصيدلية، بالإضافة إلى برنامج التلقيح، والإسعاف على مدار الساعة.
كما أشار اليسوف إلى أنه سيتم تشغيل منظومة إسعاف مخصصة لنقل الحالات الإسعافية من مراكز الرعاية الصحية إلى المشافي، في خطوة من شأنها تعزيز الاستجابة للطوارئ الطبية، وتحسين مستوى الرعاية المقدمة للسكان. ولفتت المديرية إلى أن المنطقة تعاني من تدهور كبير في البنية التحتية الصحية، وتعرضت معظم المرافق الطبية للتدمير الجزئي أو الكلي، ما حدّ من القدرة على توفير خدمات صحية دائمة.
وفي ظل هذا الواقع، يتم الاعتماد بشكل أساسي على العيادات المتنقلة لضمان وصول الرعاية الصحية إلى الأهالي، لا سيما في المناطق النائية والمحرومة. وبحسب مديرية الصحة، يتم حاليًا توسيع نطاق العيادات المتنقلة وزيادة عددها، بالتوازي مع دراسة إمكانية تزويد بعض المناطق بكرفانات تُستخدم كمراكز طبية مؤقتة، إلى حين القدرة على إنشاء مراكز ثابتة، وهي عملية تتطلب وقتًا وجهدًا في ظل التحديات اللوجستية والتمويلية.
وفي ما يخص خدمات التلقيح، أكد الدكتور اليسوف أن المركز الجديد سيوفر خدمة التلقيح الثابت داخل مقره بدءًا من الأسبوع القادم، بهدف تمكين الأهالي من الحصول على اللقاحات بسهولة. كما سيتم تعزيز فرق اللقاح الجوالة في ريف معرة النعمان، لتوسيع نطاق التغطية وضمان وصول اللقاح إلى مختلف المناطق، ما يسهم في تعزيز الوقاية الصحية العامة. وأشار إلى استمرار التعاون مع الجهات الداعمة من أجل تطوير البنية التحتية للقطاع الصحي وتحسين جودة الخدمات، في مسعى لتوفير رعاية أفضل للسكان في أسرع وقت ممكن.