الثلاثاء, 16 سبتمبر 2025 02:21 AM

مؤسسات صحفية سورية تطلق مبادرة لوضع مدونة سلوك مهني للصحفيين

مؤسسات صحفية سورية تطلق مبادرة لوضع مدونة سلوك مهني للصحفيين

في خطوة لمواجهة الاستقطاب وخطاب الكراهية المتزايد في المجتمع السوري، اجتمع عدد من المؤسسات الصحفية والصحفيين في دمشق لمناقشة مدونة سلوك تهدف إلى تعزيز الممارسات الأخلاقية والمهنية في العمل الصحفي. انطلقت ورشات العمل يوم الأحد الموافق 14 من أيلول، بهدف وضع ضوابط للممارسة الإعلامية ومكافحة خطاب الكراهية المنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي.

شارك في الورشة، التي ضمت عنب بلدي، ممثلون عن وسائل الإعلام الرسمية والخاصة، ومؤسسات صحفية مستقلة، بالإضافة إلى صحفيين سوريين يمثلون وسائل إعلام عربية وعالمية. تتألف لجنة إعداد المدونة من 12 عضوًا، بينهم عضوان من وزارة الإعلام، ويرأس اللجنة الصحفي السوري علي عيد. كما شارك في المناقشات مدير الشؤون الصحفية في وزارة الإعلام، عمر الحاج أحمد، ورئيس قسم الإذاعة والتلفزيون في كلية الإعلام بجامعة “دمشق”، عربي المصري، ومدير الحريات في “رابطة الصحفيين السوريين”، محمد صطوف، ورئيس “اتحاد الصحفيين السوريين”، محمود الشحود.

“وثيقة شرف” ومدونة سلوك

شهدت الورشة مناقشات معمقة حول قضايا العمل الصحفي، بما في ذلك دور المؤثرين وصانعي المحتوى على وسائل التواصل الاجتماعي، وتقييم ما يقدمونه كعمل صحفي. كما جرى نقاش تفصيلي حول بنود المدونة، بدءًا من سلوك الصحفي على وسائل التواصل الاجتماعي، والتعامل مع الضحايا في الكوارث والأزمات، وصولًا إلى تعزيز التضامن بين الصحفيين في مواجهة الانتهاكات.

ناقش الصحفيون أهمية وصول المدونة إلى جميع السوريين، وتجنب المصطلحات الفضفاضة، ووضع مادة خاصة باحترام الحقيقة والفصل بين المعلومة والرأي، بالإضافة إلى إضافة مادة حول الأخلاقيات التفضيلية والسلوكيات داخل المؤسسة الإعلامية، وإدراج محتوى المدونة في المناهج التعليمية.

أوضح رئيس لجنة إعداد المدونة، علي عيد، أن المدونة ستنقسم إلى قسمين: الأول سيكون “وثيقة شرف”، والثاني مدونة سلوكية تحدد الممارسات المهنية والأخلاقية التي يجب أن يتحلى بها الصحفي السوري. وأشار إلى أن هذا الاجتماع يمثل سابقة على المستوى الوطني، حيث يجتمع صحفيون سوريون لإعداد مدونتهم الخاصة، مؤكدًا أن النقاشات ستشمل جميع المحافظات السورية بمشاركة واسعة من الصحفيين، بهدف تجاوز الاعتبارات السياسية.

أكد عيد أن نحو 500 صحفي وصاحب مصلحة يشاركون في صياغة المدونة، مع إتاحة الفرصة لجميع الصحفيين والإعلاميين والمؤثرين لإبداء الرأي. وأشار إلى أن وزارة الإعلام تلعب دورًا تسهيليًا دون التدخل في التفاصيل، معتبرًا أن اعتماد أي وثيقة من قبل الوزارة أو الهيئة التشريعية لتنظيم القطاع هو أمر آخر. وأضاف أن الوسط الإعلامي يطالب بترسيخ الحريات عبر هذه المدونة.

يذكر أن سوريا قد ارتفعت مرتبتين في حرية الصحافة، لتحتل المرتبة 177 بعد أن كانت في المرتبة 179 عام 2024، وفقًا لـ “التصنيف العالمي لحرية الصحافة 2025” الصادر عن “منظمة مراسلون بلا حدود”.

يرى عيد أن سوريا تعيش استحقاق بناء “الإعلام المسؤول”، وأن نجاح ذلك يعتمد على “مدى فهمنا لمخاطر انتشار خطاب إعلامي منفلت يهدد الأمن والسلم المجتمعي، ويؤخر مساعي العدالة الانتقالية”. وأضاف أن “الخطاب المنفلت” يضر بقدرة الصحافة على ممارسة دور “المساءلة” و”الشريك في التنمية”. وأشار إلى أن المدونة تتقاطع مع العديد من مواثيق الشرف حول العالم، مع مراعاة خصوصية الوضع السوري، وأن المواثيق السابقة التي وضعتها مؤسسات سورية هي جزء أساسي في إعداد هذه المدونة الجديدة.

نقاشات بين الصحفيين المشاركين حول بنود مدونة السلوك المهني – 14 أيلول 2025 (عمر علاء الدين/ عنب بلدي)

إلزام للإعلام الحكومي

تعهدت الحكومة السورية بأن تلتزم مؤسساتها الإعلامية بمدونة السلوك التي تناقَش في دمشق، على أن يُستكمل النقاش في بقية المحافظات السورية. اعتبر مدير الشؤون الصحفية في وزارة الإعلام السورية، عمر حاج أحمد، أن المؤسسات الحكومية الإعلامية هي الأولى بالالتزام بالمدونة باعتبارها وثيقة أخلاقية تنظم العمل الصحفي المبني على الأخلاق والمهنية والموضوعية والدقة.

أشار حاج أحمد إلى أن الحاجة لوضع مدونة سلوك مهني جاءت بعد تفشي خطاب الكراهية والحض على الطائفية وبعض المشكلات الأخلاقية في وسائل الإعلام، إضافة إلى صانعي المحتوى والمؤثرين وحتى الصفحات الشخصية. وأكد أنه بعد المناقشات والمراجعات الحالية، سيجري عقد اجتماع نهائي لوضع الخطوط العريضة والصياغة النهائية لهذه المدونة.

نقاشات الحضور خلال ورشة إعداد مدونة السلوك المهني للصحفيين في دمشق ـ 14 أيلول 2025 (عنب بلدي/ عمر علاء الدين)

وعن مخاوف الصحفيين من تحكم وزارة الإعلام بالمدونة، قال مدير الشؤون الصحفية بوزارة الإعلام، إن أولوية الوزارة هي التشارك مع مؤسسات المجتمع المدني، ومع المؤسسات الصحفية والإعلامي العاملة في سوريا، ومع مكاتب الاعتماد لوسائل الإعلام الأجنبية، وهذا ما يؤكد عدم نية الوزارة فرض مدونة من هذا النوع “رغم أنه كان من حقها”. وتسعى الوزارة إلى عدم تقييد حرية الإعلام والصحافة، لكن يجب أن يكون هناك مسؤولية، بحسب حاج أحمد.

الأخلاق “ثلث المهنة”

قال رئيس قسم الإذاعة والتلفزيون في كلية الإعلام بجامعة “دمشق”، عربي المصري، إنه دائمًا هناك توصية من الجهات المسؤولة عن التعليم والتدريب والتأهيل للصحفيين في الاتحادات الصحفية الدولية، أن يكون هناك ثلث تدريب للجانب المهني وثلث للجانب المفاهيمي، وثلث للأخلاق. وأشار إلى أن وجود نية لإطلاق مدونة أخلاقية سلوكية مهنية صحفية سورية، دليل على أن هناك بوصلة تعمل بشكل صحيح لتوجه الصحفيين وتغطي ثغرات قانون الإعلام الوطني الذي سيصدر قريبًا بعد التعديل، والذي ما زال إلى الآن، معمولًا به وفق الإعلان الدستوري الذي أقر العمل بالقوانين الوطنية.

ووقع الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، في 13 من آذار الماضي، مسودة الإعلان الدستوري، الذي نص على أن الدولة تكفل “حرية الرأي والتعبير والإعلام والنشر والصحافة”، وتصون الدولة الحقوق والحريات الواردة وفقًا للإعلان، وتمارس وفقا للقانون، ويجوز إخضاع ممارستها للضوابط التي تشكل تدابير ضرورية للأمن الوطني أو سلامة الأراضي أو السلامة العامة أو حماية النظام العام ومنع الجريمة، أو لحماية الصحة أو الآداب العامة.

ويجب أن يدرس طالب الإعلام كل المواثيق الدولية الصادرة عن الاتحاد الدولي للصحفيين، وإعلانات الأخلاقيات الدولية، كما يجب أن يدرسوا القانون السوري، والمدونات السلوكية التي تصدرها الجهات الخاصة بكافة أشكالها، بحسب المصري.

وأوصى المصري الصحفيين الجدد، بشأن المواثيق، قائلًا، “اجعلوا لرسالتكم قلبًا قبل أن يكون هناك لها عقل يخدم السياسة التحريرية للمؤسسة، لذلك دائمًا نقول الجمهور ثم الجمهور ثم الجمهور، ويا رضا الله ورضا الجمهور”، بحسب تعبيره.

المدونة “عُرف”

يرى الصحفي السوري يعرب العيسى، أن المدونات تأتي استكمالًا للقانون، مع ميله للقانون العام في تنظيم مهنة الصحافة، أما المدونات فهي أشبه بخلق أعراف يجري الالتزام بها بشكل طوعي. وأشار إلى أن هذه المدونات تصبح كنوع من الأعراف مشابهة للأعراف التي تحكم العلاقات بالمجتمع، مما يؤدي في النهاية إلى أن يكون الالتزام بها طوعيًا، ومن هنا تنبع أهميتها. وأشار إلى عدة محاولات لإعداد مدونات سلوك ومواثيق شرف في كل المناطق التي كان فيها الصحفيون السوريون، في الداخل والخارج.

وقال، “حان الوقت لأن تجمع كل هذه المحاولات بصيغة توافقية وقاسم مشترك، على الأقل أن يكتشف الصحفيون السوريون المنقسمون، الذين كانوا لا يعرفون بعضهم، أنهم متفقون على مبادئ المدونة بنسبة تكاد تكون 100%”. وهناك مواثيق شرف، في الجنوب السوري، وفي شمال شرقي سوريا، إضافة إلى “ميثاق شرف الإعلاميين السوريين”، التي كانت عنب بلدي من مؤسسيه.

من ورشة مناقشة مدونة السلوك في دمشق ـ 14 أيلول 2025 (عنب بلدي/ عمر علاء الدين)

الباحثة في “شبكة الصحفيات السوريات”، لمى راجح، قالت لعنب بلدي، إنها وجدت في مسودة المدونة إشارات استفهام بالنسبة للصحفيات السوريات، مثل بند منع “تحقير المرأة”، قائلة إن هذا المصطلح فضفاض جدًا، “نحن بحاجة إلى أن نقول هل هو تمييز، إقصاء، تنميط، تهميش”. وأضافت، “نحن بحاجة إلى التفصيل أكثر، ومن المؤكد أن الزملاء سيتجاوبون معنا بهذا الشأن”.

في 10 من أيلول 2015، أطلقت 20 مؤسسة إعلامية سورية ميثاق شرف الصحفيين السوريين، لإيجاد دور فاعل للإعلام ليكون مساهمًا جديًا في بناء المجتمع السوري الجديد، وفق ما جاء في الميثاق. “هيئة ميثاق شرف للإعلاميين السوريين” هي شبكة سورية تضم حاليًا 24 مؤسسة إعلامية سورية مستقلة، من بينها جريدة “عنب بلدي”، وراديو “آرتا إف إم”، ووكالة “آرا نيوز”، وراديو “روزنة” ومجلة “نسائم سوريا” وغيرها. وتهدف الهيئة من خلال حزمة التشريعات والأنشطة الخاصة بها إلى تعزيز البعد الأخلاقي والمهني عند كوادر المؤسسات الأعضاء بهدف إنتاج محتوى إعلامي يخلو من خطاب الكراهية، غني بقيم العدالة الجندرية، الدقة، المصداقية، النزاهة، الإنصاف.

تحديات حرية الصحافة في سوريا.. بعد الأسد
مشاركة المقال: