الثلاثاء, 25 نوفمبر 2025 02:06 AM

مبادرة "رنكوس بتستاهل": حملة أهلية شاملة لإعادة الحياة إلى رنكوس

مبادرة "رنكوس بتستاهل": حملة أهلية شاملة لإعادة الحياة إلى رنكوس

في مبادرة مجتمعية مؤثرة، أطلق أهالي بلدة رنكوس في القلمون بريف دمشق حملة تحت اسم "رنكوس بتستاهل"، وذلك بهدف تحسين الظروف الخدمية والتعليمية والصحية في البلدة التي عانت من آثار الحرب المدمرة. تهدف الحملة إلى معالجة الأضرار الجسيمة التي لحقت بالبنية التحتية والبيئة والمرافق العامة في رنكوس.

يذكر أن رنكوس كانت من أوائل البلدات التي ثارت ضد حكم الأسد في عام 2011، مما جعلها هدفًا للعمليات العسكرية التي أسفرت عن استشهاد نحو 500 شخص ونزوح عدد كبير من السكان إلى الشمال السوري. كما تضرر سهل رنكوس بشكل كبير، حيث تم قطع الأشجار وسرقة المنازل وردم الآبار، مما أدى إلى خسارة تقدر بنحو 70% من الثروة النباتية، وفقًا لوزارة الزراعة. بالإضافة إلى ذلك، تعرضت المدارس والمساجد والمنازل لأضرار جزئية وكلية.

الحملة، التي أطلقتها لجنة التنمية في رنكوس، تمثل استجابة طبيعية لحجم الدمار ونقص الخدمات الأساسية، كما أوضح المهندس نهاد شاهين، مدير الحملة. وأكد شاهين أن "رنكوس بتستاهل" ليست مجرد مبادرة عابرة، بل هي مشروع تكافلي شامل يشارك فيه أبناء البلدة في الداخل والخارج، بهدف إعادة الحياة إلى رنكوس من خلال التعليم والصحة والخدمات والتنمية. وأضاف: "إنها رسالة أمل وانتماء بأن رنكوس ما تزال تستحق كل جهد وعطاء".

وقد قامت اللجنة المنظمة بتحديد احتياجات البلدة وتقسيمها إلى أربعة قطاعات رئيسية، يتولى كل منها فريق متخصص. يشمل القطاع التعليمي صيانة المدارس المتضررة وتأمين التدفئة، وتوفير اللوازم التعليمية والرياضية، وتنظيم فعاليات تربوية على مستوى القلمون، وتقديم منح للطلاب المتفوقين ودعم المعلمين. أما القطاع الصحي، فيتضمن تجهيز المستوصف والمخبر الطبي، وتوفير الأدوية للأمراض المزمنة، ودعم المشفى المدمر وإعادة تشغيله تدريجيًا، وإنشاء عيادات تخصصية، وتأمين سيارة إسعاف. ويركز قطاع الخدمات على حفر وتجهيز آبار مياه الشرب، وإصلاح الطرقات والعبارات المدمرة، وإنشاء حديقة عامة للأطفال، ودعم النظافة عبر شراء سيارة مخصصة وتأمين مستلزماتها لعام كامل. ويهدف قطاع التنمية إلى دعم المشاريع الصغيرة الزراعية والصناعية، لخلق مصادر دخل للعائلات الأكثر احتياجًا، وتعزيز الاستقرار الاقتصادي المحلي.

تُدار الحملة من خلال فريق إداري متعدد التخصصات، بالإضافة إلى لجان فنية لكل قطاع وفريق إعلامي يتولى التوثيق والتغطية المستمرة. ويشارك في الحملة متطوعون من أبناء البلدة المقيمين والمغتربين، مما يعزز روح التكافل والمسؤولية الجماعية. وأشار شاهين إلى أن هذا التنظيم يسمح بقياس الاحتياجات بدقة، وتقدير التكاليف، وتنفيذ المشاريع تدريجيًا وفق الأولويات، مع ضمان شفافية العمل أمام المتبرعين.

تحمل رنكوس في ذاكرتها سنوات من الألم والمعاناة منذ عام 2011. فبالإضافة إلى الشهداء والمهجرين، تسببت العمليات العسكرية في خسائر فادحة في الأراضي الزراعية وتراجع كبير في موارد المياه بسبب ردم الآبار، فضلاً عن تضرر المدارس والمساجد والمرافق العامة وانهيار مستوى الخدمات. دفعت هذه الظروف الأهالي إلى تبني مشروع يهدف إلى إعادة التوازن إلى حياة البلدة ومعالجة الفجوات التي خلفتها سنوات الحرب.

تمثل حملة "رنكوس بتستاهل" اليوم خطوة عملية لإعادة بناء مجتمع أنهكته الحرب، ومحاولة لخلق بيئة تعليمية وصحية أفضل، وبنية خدمية قابلة للحياة. كما تسعى الحملة إلى تجديد روح الانتماء لدى أبناء البلدة والإيمان بأن الجهد الجماعي قادر على تحويل التحديات إلى فرص. ومع انخراط أبناء رنكوس في الداخل والخارج، يأمل القائمون على الحملة أن تكون هذه المبادرة نموذجًا يُعاد تطبيقه في بلدات سورية أخرى، وأن يشكل العمل الأهلي جسرًا نحو مستقبل أقل قسوة وأكثر قدرة على الوقوف على قدميه.

مشاركة المقال: