الإثنين, 10 نوفمبر 2025 12:58 AM

"مجتمع حمص السينمائي": منصة تفاعلية تجمع أجيالًا لمشاهدة واستكشاف السينما الوثائقية

"مجتمع حمص السينمائي": منصة تفاعلية تجمع أجيالًا لمشاهدة واستكشاف السينما الوثائقية

عنب بلدي – محمد كاخي – في كل يوم ثلاثاء، يلتقي أهالي حمص من مختلف الأعمار في "دير الآباء اليسوعيين" بحي الحميدية لمشاهدة الأفلام الوثائقية السورية واللبنانية والفلسطينية التي يقدمها "مجتمع حمص السينمائي" بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) و"دير الآباء اليسوعيين". يهدف هذا اللقاء إلى الاستمتاع بقصص بلادهم كما يراها المخرجون.

تأسس "مجتمع حمص السينمائي" في شباط الماضي على يد مجموعة من الشباب الحمصي، بهدف إعادة إحياء الحركة السينمائية في المدينة من خلال عروض مجانية. صرح نوار البقاعي، المؤسس المشارك في "مجتمع حمص السينمائي"، لعنب بلدي بأن سقوط النظام السوري أتاح لهم فرصة البدء في هذا المشروع، حيث لم يكن من الممكن إنشاء مجتمع سينمائي مستقل قبل ذلك، وكان سيُفرض عليهم الترويج لرواية النظام السوري من خلال الأفلام المعروضة.

يؤمن القائمون على "المجتمع" بأن السينما هي أداة للحوار والتلاقي، ويسعون من خلالها إلى إحداث تغيير ثقافي واجتماعي. وبحسب البقاعي، اختار "المجتمع" تقديم أفلام وثائقية من السينما السورية واللبنانية والفلسطينية لعرض شخصيات حقيقية قد يجد الحضور من يشبههم بينهم، وأفلام تتناول الشأن السوري في الماضي والحاضر وتلامس مجتمعه.

كما يختار "المجتمع" أفلامًا منعها النظام السابق وتناولت الثورة السورية وسرديتها، ويخلق مساحة للنقاش بين المشاهدين بعد انتهاء الفيلم، حيث يتبادل الحضور والقائمون وجهات نظرهم حول ما شاهدوه. وأكد البقاعي أن الفريق يختار أفلامًا تفتح آفاق النقاش بين الجمهور وتكون من صلب الواقع المعاش للسوريين اليوم.

حضرت عنب بلدي العرض الأخير والتقت بالجمهور والقائمين على "المجتمع" لاستكشاف آراء الحماصنة حول مجتمعهم السينمائي الصغير.

استعادة ذكريات مضت

يجتمع في قاعة العرض جمهور من جميع الفئات العمرية، حيث يمكن رؤية الشباب والكبار والمراهقين، وكل منهم يأتي لأسبابه ورؤيته الخاصة. زكة خانكان (54 عامًا) تحضر إلى "دير الآباء اليسوعيين" لتستعيد ذكريات مطلع الألفية، عندما كانت تقضي فترة شبابها في حمص مع أصدقائها، متنقلين بين دور السينما والمسارح والمراكز الثقافية. استعادت زكة، في حديثها إلى عنب بلدي، نشاطاتها السابقة وكيف افتقدتها بعد اندلاع الثورة السورية وتدمير النظام السابق لمدينة حمص، واعتبرت أن مثل هذه المبادرات والتجمعات بعد 14 عامًا "جميلة ومهمة"، خاصة وأن دور السينما في حمص قد دُمرت جميعها.

عمر البقاعي (63 عامًا) يثمن التجربة التي تعيده إلى شبابه الذي قضاه بين مقاعد المراكز الثقافية والمسارح في حمص، فقد تربى، بحسب قوله، على السينما والأدب، وهو ما صقل شخصيته وهذبها. ويرى أن المدينة تفتقد إلى السينما والفن، خاصة وأن النوع الذي يُعرض في "المجتمع" يمس الواقع السوري، وعلى السوريين برأيه أن يدرسوا ما صنعه مخرجو الماضي عن الفترات السابقة كي لا يكرروها في حاضرهم، ولإنتاج حالة مجتمعية أرقى مما هي عليه.

يتفق أنور إلياس (59 عامًا) مع صديقه عمر بشأن أهمية هذه العروض، فالزمن اليوم هو زمن الصورة، ومن المهم أن تكون هذه التجربة في حمص منطلقًا لتجارب أخرى في بقية المدن كي يتحدث السوريون ويتعرفوا إلى بعضهم، لأنهم لا يعرفون بعضهم جيدًا، وعاشوا على ما نسجته كل مجموعة عن الأخرى في خيالها، بحسب قوله.

الشباب يستكشف التجربة

ينافس الشباب من سبقوهم من كبار السن في إحصائيات الحضور، وبحسب المؤسس المشارك في "مجتمع حمص السينمائي"، نوار البقاعي، فإن هناك توازنًا في أعداد الحضور بين من هم فوق الـ 40 عامًا ومن هم تحت الـ 40، ويثبت الشباب حضورهم بشكل دائم، وفي الأصل، "مجتمع حمص السينمائي" أسسه شباب أعمارهم بين 21 و26 عامًا، قال البقاعي.

يحضر الشباب إلى "المجتمع" لاستكشاف ما لم يعرفوه عن المنطقة، وليتعرفوا أكثر إلى بلادهم من خلال عدسات مخرجي الأفلام الوثائقية. "منذ كنت صغيرة وأنا أتابع السينما، ولدي شغف بالصورة، وكلما كبرت تعمقت أكثر بالفكرة، إلى أن وصلت إلى قاعة مجتمع حمص السينمائي لأشاهد أفلامًا تنمي تجربتي ومعرفتي عن البلاد وتاريخها ومجتمعها"، قالت سماح (24 عامًا).

تحلم سماح بدراسة الإخراج في السنوات المقبلة، وتأتي إلى "المجتمع" لتغذي تجربتها البصرية بما أنتجه المخرجون السوريون واللبنانيون والفلسطينيون. تحب لارا (21 عامًا) أن ترى العالم من كاميرا السينما، ويعجبها النقاش الذي يجريه الحضور بعد انتهاء الفيلم، حين يتبادل الحضور آراءهم ووجهات نظرهم حول ما شاهدوه، وهو ما تعتبره أفضل وقت خلال الفعالية، لأنها مهتمة باستطلاع وجهات النظر المختلفة للآخرين، وكيف يرى الآخر ما تراه هي أيضًا في نفس الوقت.

تجربة الأفلام الوثائقية السورية كانت جديدة على لارا، وتعرفت إليها من خلال عروض "المجتمع" لأنها شعرت بأنها تشاهد شيئًا يشبه واقعنا اليوم، وأحبت التجربة التي تتمنى أن تستمر في حمص وتتوسع إلى باقي مدن البلاد.

قاعات جديدة بالانتظار

جميع من قابلتهم عنب بلدي خلال العرض الأخير لـ"المجتمع" أشادوا بهذه التجربة وأهميتها على الصعيد الثقافي والمجتمعي، وتمنوا توسيع تغطيتها لتشمل أحياء أخرى في المدينة، ولتصل إلى ريفها أيضًا، حيث لا يستطيع الناس تحمل أعباء القدوم إلى المدينة لحضور الأفلام.

وتتمنى زكة خانكان أن تتوسع التجربة الحالية المقامة في "دير الآباء اليسوعيين" لتخرج إلى أماكن أخرى في حمص، وأن تعود كما كانت في ذاكرة الحماصنة سابقًا بالمركز الثقافي والمسارح. المؤسس المشارك في "مجتمع حمص السينمائي"، نوار البقاعي، قال لعنب بلدي إن "المجتمع" سيحصل على منح تمويلية تمكنه من العرض في مناطق مختلفة ضمن مدينة حمص، وإن الفترة السابقة كانت مرحلة تأسيسية فقط، وسيحافظ "المجتمع" على تقديم العروض بشكل مجاني في مختلف أماكن العرض.

وأضاف البقاعي أنهم الآن بصدد تجهيز مشروع يهدف إلى إيصال العروض للفئات التي لا يمكنها بلوغ مراكز المدن، كمناطق دير بعلبة وتير معلة في حمص، وستكون لـ"المجتمع" عروض خارج حمص أيضًا، في جرمانا ودوما ومخيم "اليرموك" بدمشق، وفي مناطق من حلب أيضًا.

مشاركة المقال: