فتاح عيسى – كوباني
في قرية “طفشو” بريف كوباني الجنوبي، يتجول فواز علي كردي، البالغ من العمر 59 عاماً، بين أشجار الزيتون التي ورثها عن أبيه. يلامس الأغصان الجافة بنظرة حزينة، ويعدّ الثمار المتبقية التي قد تكون الأخيرة هذا الموسم. يقول فواز لنورث برس: "قبل عامين، كانت هذه الأشجار، التي يبلغ عددها 150 شجرة، تنتج أكثر من طن وثلاثمائة كيلو. في العام الماضي، انخفض الإنتاج بنحو ثلاثمائة كيلو، أما هذا الموسم، فلا يزيد عن مئتي كيلو فقط".
لم يقتصر الأمر على نقص الكمية، بل طال الجودة أيضاً. فحبّات الزيتون صغيرة ويابسة، ونسبة الزيت فيها ضعيفة. اليوم، كل سبعة كيلوغرامات من الزيتون تنتج كيلوغراماً واحداً فقط من الزيت، مقارنة بالمواسم السابقة، حيث كانت الأشجار تنتج كيلوغراماً من الزيت مقابل كل أربعة أو خمسة كيلوغرامات من الزيتون.
الجفاف المستمر خلال العامين الماضيين أثر بشكل كبير على المياه الجوفية. يوضح فواز: "حفرنا سبعة آبار في الأرض، ولم نحصل على نقطة ماء واحدة. كنا نستخدم غطاس البئر لسقي الأشجار، ولكن الآن أصبح كل شيء صعباً".
في قرية “حلنج”، ترسم حليمة أحمد، البالغة من العمر 63 عاماً، صورة مماثلة: "إنتاجي من الزيت لم يتجاوز هذا العام عشرة تنكات، بعد أن كان يصل إلى ستين تنكة قبل عامين، وثلاثين تنكة في العام الماضي فقط".
المصاريف المرتفعة تزيد الأمور تعقيداً. تقول حليمة لنورث برس: "الاعتناء بالأشجار يحتاج إلى نحو 300 دولار للمبيدات والأسمدة، وحراثة الأرض ست مرات بمقدار 75 دولاراً لكل مرة، بالإضافة إلى أجور العمال وأجور المعصرة. الإنتاج لا يغطي هذه التكاليف، ونحن بحاجة ماسة إلى الدعم، خاصة لتأمين مادة المازوت للحراثة".
مع انقطاع الأمطار، اضطر المزارعون إلى سقي الأشجار عبر صهاريج المياه، بتكلفة 15 دولاراً لكل صهريج، وهو مبلغ يفوق إمكانياتهم، خاصة مع وجود مئات الأشجار. تقول حليمة: "لدي 700 شجرة زيتون، والري بهذه الطريقة يكلفني أكثر مما أستطيع تحمله".
لم يقتصر تأثير الجفاف على المزارعين، بل وصل إلى أصحاب المعاصر أيضاً. يوضح حنيفي شاهين، صاحب معصرة في ريف كوباني، لنورث برس: "الجفاف أثر على كمية ونوعية الزيتون، ونسبة الزيت فيه قليلة. قبل العام الماضي، كنا نعمل طوال اليوم في موسم الحصاد، أما الآن، فنحن نعمل بين 12 و13 ساعة فقط، وبشكل متقطع".
كما اضطر أصحاب المعاصر إلى تخفيض سعر العصر من 63 دولاراً لكل طن في العام الماضي إلى 50 دولاراً هذا الموسم، لتخفيف الخسائر على المزارعين. ويضيف شاهين: "الفرق في إنتاج الزيت واضح. في العام الماضي، كان كل أربعة كيلوغرامات من الزيتون تنتج كيلوغراماً من الزيت، أما هذا العام، فكل خمسة كيلوغرامات تنتج كيلوغراماً واحداً".
تراوحت أسعار الزيت هذا الموسم بين 80 و90 دولاراً، لكنها غير مستقرة وتعتمد على حركة التصدير، حيث يتم تصدير الزيت من كوباني إلى عفرين وإدلب ثم إلى تركيا والدول الأوروبية.
بين أشجار الزيتون الجافة، والآبار الفارغة، والمصاريف المرتفعة، يقف مزارعو كوباني أمام موسم صعب. فواز وحليمة وغيرهما من المزارعين يعرفون أن إنتاج الزيتون لم يعد يغطي المصاريف، وأن مستقبلهم الزراعي أصبح مهدداً بسبب جفاف مستمر ونقص الدعم، ما يجعل كل موسم حصاد اختباراً جديداً لبقائهم في أرضهم.
تحرير: معاذ الحمد