خلف سماعات الرأس، يقبع موظفو "الكول سنتر"، جنود مجهولون يتلقون مكالمات العملاء ويحلون مشاكلهم بهدوء، معتذرين نيابة عن شركاتهم. غالبًا ما يغيب عنهم الشكر والتقدير، ويودعون المتصلين بابتسامة، رغم ما يعتمل في داخلهم من ضيق وتوتر نتيجة ضغط العمل المتواصل.
يتلقى هؤلاء الموظفون يوميًا عشرات المكالمات، يتحملون الغضب والتوتر والطلبات التعجيزية، دون أن تتاح لهم فرصة لالتقاط الأنفاس أو التعبير عن معاناتهم.
شهادات من الميدان
"حسن"، شاب ثلاثيني يعمل في أحد مراكز الاتصال منذ خمس سنوات. يبدأ دوامه في التاسعة صباحًا ولا ينتهي قبل السادسة مساءً. يقول لصحيفة الحرية: "أستقبل في اليوم أكثر من 100 مكالمة، معظمها شكاوى. نرد بكل لطف، وممنوع أن نغضب أو نرتبك، أو حتى أن نصمت أكثر من ثانيتين".
لكن "حسن" لا يجرؤ على الشكوى، فكل تأخير أو تراجع في الأداء يقابله خصم مالي. يضيف "حسن"، خريج هندسة الاتصالات، أنه على الرغم من الصورة البراقة التي يأخذها البعض عن أجواء العمل الحديثة، إلا أن بيئة العمل شديدة الانضباط. فالأداء يقاس بالثواني، والكلام محسوب، ومدة كل مكالمة تخضع للتقييم، حتى نبرة الصوت مراقبة. من يمرض عليه أن يثبت ذلك بتقرير، ومن يتأخر عليه أن يعتذر، ومن يتعب عليه أن يصمت أو يترك العمل بلا رجعة.
"مي"، تعمل منذ عامين في مركز اتصال لشركة إنترنت، تقول إنها بدأت تشعر بألم دائم في الرقبة وصداع لا يفارقها، لكنها لم تجرؤ على أخذ إجازة، لأن الإجازات مشروطة وأي غياب يؤثر على التقييم الشهري ويؤدي إلى خصم من الراتب. وتضيف أنها وزملاءها يعاملون كأرقام، وليس كأشخاص، حتى الضحك يجب أن يكون ضمن "البروتوكول": نضحك حين يطلب منا، ونسكت حين يراد لنا أن نسكت.
الاستشارية التربوية صبا حميشة ترى أن ما يعانيه موظفو "الكول سنتر" هو شكل من أشكال "الضغط الممنهج" الذي يمارس باسم إنتاجية العمل. وتقول حميشة: "تفرض على العاملين بصفة الكول سنتر معايير أداء دقيقة ومكثفة، يطلب منهم الرد السريع واللباقة والسيطرة على الانفعالات، وفي المقابل لا يحصلون على ما يقابل هذا الجهد من دعم نفسي أو تقدير معنوي".
وتضيف أن كثيرًا من العاملين في هذا المجال يصابون تدريجيًا بما يعرف بـ"الاحتراق النفسي" نتيجة التكرار والروتين والاحتكاك المستمر مع مشاعر سلبية من الطرف الآخر، وهم المتصلون الذين يكون همهم الوحيد حل مشاكلهم أو الحصول على إجابة دون مراعاة مشاعر الغير.
بدوره، يشير الدكتور سمير بركات، اختصاصي الصحة العامة، خلال حديثه لصحيفة الحرية، إلى أن الجلوس لفترات طويلة دون حركة والنظر المستمر في الشاشات يسببان مشاكل في العمود الفقري وتشنجات عضلية، إضافة إلى إجهاد العين والصداع المزمن. فكثير من الموظفين يراجعون العيادات بسبب آلام الرقبة والظهر والتهابات في المفاصل ناتجة عن استخدام سماعات الرأس لفترات طويلة.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية