الإثنين, 27 أكتوبر 2025 02:33 AM

من الخوف إلى الهيمنة: كيف تحولت أمريكا إلى قوة عظمى؟

من الخوف إلى الهيمنة: كيف تحولت أمريكا إلى قوة عظمى؟

بقلم المهندس باسل قس نصر الله - في عام 1786، كتب جون جاي، وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية، واصفاً وضع بلاده قائلاً: "نحن أشبه بأقزام في عالم مأهول بالعمالقة، وبقاؤنا مرهون بمشيئتهم، وبُعدُنا عن أوروبا يمنعنا أن نكون لقمة سائغة تبتلعها هذه الوحوش الكاسرة التي تملك شهية التهام الشعوب الأخرى وأراضيهم." هكذا كانت أميركا، تخشى أوروبا.

بعد ثورة الولايات الأميركية، التي كانت تتألف من ثلاثة عشر ولاية، ضد بريطانيا، بدأت الدولة الجديدة في التشكيل. ركز الأميركيون على الزراعة والصناعة وبناء المعامل، مما حول الولايات المتحدة خلال 150 عامًا إلى قوة سياسية واقتصادية وزراعية وصناعية وعلمية.

لم يعر العالم اهتماماً كبيراً بأميركا خلال الحرب العالمية الأولى (1914-1918)، لكنه تمنى تدخلها في الحرب العالمية الثانية (1939-1945) لتغيير موازين القوى. خرجت الولايات المتحدة من الحرب كقوة عظمى، وبدأت في إعادة ترتيب الأوراق وإزاحة الدول المنافسة.

في 14 شباط 1945، بعد مؤتمر يالطا (4-11 شباط 1945) في شبه جزيرة القرم مع تشرشل وستالين، توجه الرئيس الأميركي فرانكلين د. روزفلت إلى قناة السويس، حيث التقى على متن الطراد الأميركي كوينسي بالملك السعودي عبد العزيز بن سعود، والملك المصري فاروق، والإمبراطور الأثيوبي هيلاسيلاسي. ومن هنا بدأت عملية طرد بريطانيا من المنطقة واستبدالها بأمريكا.

وفقًا لتقسيم يالطا، كانت اليونان من اختصاص بريطانيا. لكن السفير البريطاني في أثينا، اللورد إنفرسال، اكتشف أن البلاد على وشك السقوط في أيدي الشيوعيين إذا لم تحصل على مساعدات عاجلة. كتب إلى رئيس الوزراء كليمنت آتلي، لكن بريطانيا لم تكن قادرة على تقديم المساعدة. فكتب آتلي إلى الرئيس الأميركي هاري ترومان (1945-1953) يطلب منه أن تحل الولايات المتحدة محل بريطانيا في دعم اليونان. وهكذا بدأ التدخل الأميركي المباشر في شؤون الدول بطلب أوروبي صريح.

يذكر التاريخ مواجهة عنيفة في باريس، ربيع 1974، بين وزير الخارجية الفرنسي ميشيل جوبير ونظيره الأميركي هنري كيسنجر، حيث قال جوبير: "هل تظن أننا لا ندرك خطتكم؟ أنتم ترفعون أسعار النفط، وتتركون لأصحاب البترول جزءًا من ثروتهم الجديدة، أما الباقي فسيجد طريقه إلى بنوككم وخزائنكم." فأجابه كيسنجر ببرود: "لا يعنيني ما تدركونه أو ما لا تدركونه. المهم أن تفهموا أن مشروع مارشال قد انتهى. لقد كان حصولكم على الوقود الرخيص جزءًا من مشروع مارشال لمساعدتكم، ولقد ساعدناكم، لكنكم الآن على وشك منافستنا بما ساعدناكم به. ثم لا تنسوا أن الولايات المتحدة هي التي تتولى بردعها النووي حماية أوروبا."

وعلق كيسنجر بسخرية على جوبير قائلاً: "عقدة ميشيل جوبير هي قصر قامته."

لذلك، ليس من المستغرب أن نرى زعماء أوروبا يجلسون بأدب أمام الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يستمعون إلى إملاءاته. وكما قدمت بريطانيا اليونان لأميركا، فقد قدمت بعدها العالم كله. فـ "كاليميرا" ترامب هي اليوم "كاليميرا أميركا".

اللهم اشهد بأني قد بلغت. (اخبار سوريا الوطن-2)

مشاركة المقال: