الخميس, 25 سبتمبر 2025 07:46 AM

من ذكريات الطفولة إلى مسؤوليات الحياة: رحلة عائلية

من ذكريات الطفولة إلى مسؤوليات الحياة: رحلة عائلية

دمشق – المهندس باسل قس نصر الله

عندما أرى أبنائي اليوم، وقد أصبح كل واحد منهم يدير حياته ويؤسس عائلته، أبتسم وأقول في نفسي: نعم، لقد أصبح لكل بيت جيشه الصغير، وهذه الجيوش الصغيرة تشكل جيشنا الكبير.

تعود بي الذاكرة إلى البدايات، إلى الصباحات التي كنا نستيقظ فيها على صوت أمهم وهي تصدر أوامرها، الصارمة والحنونة في آن واحد. كان الحمام ساحة معركة صغيرة:

"اغسل وجهك جيدًا"

"لا تزعج أختك"

"هيا بسرعة".

ثم يأتي وقت ارتداء الملابس، واليد التي لا تترك شيئًا للصدفة: بنطال نظيف، كنزة مرتبة، شعر ممشط، وأحذية مصقولة. وفي النهاية، يخرجون إلى مدارسهم كالعصافير الملونة، حاملين حقائب أكبر من أجسادهم الصغيرة.

وعند عودتهم، تبدأ جولة أخرى: الطعام، الواجبات، الملاحظات، والاعتراضات.

جدول ضرب يُكتب، نص يُقرأ، ودفتر واجبات يُفتش. وبين صوت يعلو، وضحكة تتسرب، كانت الأيام تمضي، ليأتي الصيف بفسحاته، وبرحلة اللاذقية في سورية، وبالبحر الذي لا يملون منه.

واليوم، تغير المشهد. كبر الأولاد وأصبحوا هم من يخططون للرحلات، هم من يجتمعون ويتناقشون، وأصبح صوت أمهم مختلفًا: لم يعد يحمل الأوامر، بل الدعوات والبركة… "الله يحميكم"… "اشتقت لكم"… "الله يرزقكم".

لكن الغريب أن الذكريات لا تشيخ. ما زلت أراهم أطفالاً كلما نظرت في وجوههم، حتى وهم يقودون سياراتهم ويأخذوننا في جولات سياحية، فرحين بأن يرونا أماكن جميلة ويشتروا لنا ما يسرنا.

هم لا يعرفون أنني، في تلك اللحظات، أستعيد صورهم القديمة: كيف كنت أقود السيارة وهم نائمون في المقاعد الخلفية، أو كيف كانوا يصرون على شراء لعبة في مدينة الملاهي.

دورة الحياة عجيبة: كنا نحن من نشتري لهم، واليوم صاروا هم من يفرحون بشراء ما يفرحنا. كنا نحن من يأخذهم إلى البحر، واليوم هم من يدعوننا لنمشي معهم على شاطئ جديد.

هذا الشاطئ هو الجسر بين طفولتهم وشبابهم، بين ضحكات الأمس ومسؤوليات اليوم.

كل عائلة عاشت هذا المشهد بطريقتها الخاصة، وكل أم كانت قائدًا أعلى لجيشها الصغير. وهذه الجيوش الصغيرة، على اختلاف تفاصيلها، هي التي صنعت صورة سورية، وزهرتها، وخريطتها التي رسمها الأطفال مرة بألوان الطباشير… وعلينا نحن أن نحميها اليوم بجيشنا الكبير.

اللهم اشهد اني قد بلّغت

مشاركة المقال: