السبت, 13 سبتمبر 2025 07:59 PM

من غرفة منزلية إلى عالم الديكور: قصة نجاح شابة طرطوسية بميزانية محدودة

من غرفة منزلية إلى عالم الديكور: قصة نجاح شابة طرطوسية بميزانية محدودة

في غرفة صغيرة بمنزلها المتواضع، وبميزانية لم تتجاوز 300 ألف ليرة سورية، استطاعت "فاطمة عمران" من مدينة طرطوس أن تحول مادة الكونكريت الصلبة إلى مشروع ديكور ناجح. لم تكن تتوقع الشابة العشرينية أن هذه المصادفة ستصبح مهنتها.

سناك سوري – تيماء يوسف

بعد تخرجها من كلية الهندسة الزراعية، وجدت "فاطمة" نفسها أمام وقت فراغ كبير. بالتزامن مع عملها في مؤسسة تدريبية في حمص، تلقت دورة متخصصة في الكونكريت بتشجيع من مدربها، وكانت هذه الدورة نقطة الانطلاق لمشروعها. وتضيف "فاطمة" لـ"سناك سوري" أنها بعد انتقالها إلى طرطوس، أطلقت متجرها الرقمي تحت اسم "Fatima Gallery"، بدعم وتشجيع من عائلتها.

بصمة خاصة في كل قطعة

تصف "فاطمة" قطعها بأنها "مصممة خصيصاً لأجلك". قبل البدء في أي تصميم، تفضل أن يرسل لها الزبون صورة للمكان الذي ستوضع فيه القطعة، لتصميم ما يتناسب مع ديكور المنزل من حيث الشكل والألوان، مع مراعاة الهدوء والابتعاد عن الألوان الصاخبة، لإنتاج قطع متقنة في أدق تفاصيلها، كما تقول لـ "سناك سوري".

ولا تكتفي بذلك، بل تواصل البحث وتعلّم مهارات جديدة، سواء اكتشاف طرق مبتكرة للتلوين، أو دمج فنون حديثة مع الكونكريت، أو البحث عن قوالب فريدة تميز أعمالها عن المشاريع المنافسة.

الصعوبات والتحديات

كان توفير المكان المناسب أبرز الصعوبات التي واجهت "فاطمة". عندما قررت البدء، أحضرت 5 كيلوغرامات من الجبس إلى المنزل، وخصصت غرفة داخل منزل عائلتها. قام والدها بتصميم رفوف لأدواتها وقطعها. وترافق هذا التحدي مع إدراكها لأهمية تنظيم وقتها ومراعاة خصوصية أهلها لتفادي إزعاجهم.

وتقول "فاطمة" لـ "سناك سوري" إن دعم أهلها جعل بقية الصعوبات تتلاشى، فوجودهم كان سر استمرارها. وتضيف أن أصعب موقف واجهته في مشروعها كان التسعير، ففي البداية، كانت تسعر منتجاتها بطريقة غير مدروسة تظلم جهدها، وهو خطأ شائع بين أصحاب المشاريع الصغيرة الحديثة، ومع الوقت تعلمت دراسة جميع جوانب العمل بتأنٍ حتى توصلت إلى أسلوب تسعير عادل وواضح.

أما التوفيق بين العمل والحياة اليومية، فتكرس "فاطمة" وقتها لمشروعها الذي لا يزال في بدايته وبحاجة إلى اهتمام متواصل. وتكمل أنها وحدها المسؤولة عن جميع مراحل العمل، من الفكرة والتشكيل، مروراً بالتجفيف والتلوين، وصولاً إلى التغليف والتسليم، لتصل القطع إلى الزبون كما تتخيلها، وبمجرد أن يقف المشروع على أرض صلبة، ستسعى لتحقيق توازن أكبر وربما تكوين فريق يشاركها الشغف.

حكايات تروى بالفن

"منتجاتي فيها روح، وفيها نبض من الحياة"، تقول "فاطمة"، موضحة أنها محظوظة بزبائن يطلبون القطع ويروون قصتهم. وتضرب أمثلة على ذلك، إحداهن أرادت الاحتفال بختم أختها للقرآن الكريم، فابتكرت لها "فاطمة" قطعة على شكل كف تلائم رمزية المناسبة، وفي قصة أخرى، طلبت عروس قطعة تخلد قصة حب تكللت بالزواج لتزين بها منزلها الجديد.

كما لجأ شاب إليها ليهدي حبيبته قطعة من متجرها المفضل تعبيراً عن اعتذاره بعد خلاف بسيط. كل هذه الحكايات تلهمها لتصميم القطع بروح مفعمة بالمحبة، وكأنها تروي القصة بالفن لا بالكلمات.

حضور رقمي دافىء

"المحتوى هو الملك" قاعدة تتبعها "فاطمة" في التعامل مع منصات السوشال ميديا، حيث تجد أنها ليست مجرد مساحة لعرض المنتجات، بل فرصة لبناء علاقة حقيقية وصادقة مع المتابعين. وركزت على جانبين أساسيين، أولهما الصدق التام مع العملاء، إذ لا تتردد في مشاركتهم التحديات والتجارب والمعلومات الجديدة لتحقيق فائدة متبادلة، أما الجانب الثاني فهو التواصل الدائم، حيث تتعامل مع متابعيها كجزء من رحلتها وليسوا مجرد زبائن، ما جعل العلاقة أقرب وأكثر دفئاً.

من وجهة نظر "فاطمة"، التسويق هو مفتاح نجاح أي مشروع، لذا تدعو أصحاب المشاريع الصغيرة لتعلم أساسيات التسويق والبزنس، سواء عبر كورسات مجانية أو فيديوهات على يوتيوب، ليصبح المشروع جاهزاً للانطلاق عندما يرافقه الطموح والتجربة.

"فاطمة" اليوم أصبحت تعطي دورات تدريبية في فن الكونكريت، حيث تشارك خبرتها مع الآخرين، وتشجع الشباب للبدء بمشاريعهم الخاصة وتحويل أفكارهم إلى واقع ملموس.

يذكر أن فن الكونكريت بات أحد الاتجاهات الحديثة في الصناعات اليدوية والديكور، حيث يجمع بين قوة المادة وصلابتها، وبين إمكانية تحويلها إلى أشكال فنية بسيطة وأنيقة، ويستخدم في صناعة أواني النباتات، والشمعدانات، والإكسسوارات المنزلية وحتى القطع التذكارية، لما يتميز به من متانة وسهولة التشكيل وانخفاض التكلفة مقارنة بمواد أخرى.

تجربة "فاطمة" تكشف كيف يمكن لمادة جامدة كالإسمنت أن تتحول بين يدي الشباب إلى فن حي يحمل بصمتهم الشخصية، ويمنح المشاريع الصغيرة روحاً جديدة وفرصاً واسعة للنمو.

مشاركة المقال: