الأحد, 28 سبتمبر 2025 08:51 PM

نزوح جماعي من دير الزور إلى دمشق: بحثًا عن الأمان وفرص أفضل

نزوح جماعي من دير الزور إلى دمشق: بحثًا عن الأمان وفرص أفضل

عنب بلدي – عبادة الشيخ | لمى دياب

شهدت محافظة دير الزور تزايدًا ملحوظًا في هجرة سكانها نحو العاصمة دمشق بعد سقوط بشار الأسد، حيث تحولت الهجرة من حالات فردية إلى نزوح جماعي متسارع. يعزى هذا التحول إلى الظروف الأمنية والمعيشية الصعبة، وغياب مقومات الحياة الكريمة والآمنة.

على الرغم من التحديات المعيشية في العاصمة، يرى بعض الواصلين إلى دمشق أن الهجرة ليست خيارًا، بل هي الملاذ الأخير بعد انهيار شروط العيش الأساسية في دير الزور. الهجرة، بمفهومها العام، هي الانتقال من مكان إلى آخر بحثًا عن ظروف أفضل أو هربًا من واقع لا يُحتمل، وهي ليست مقتصرة على السوريين، لكنها تتخذ أبعادًا مأساوية في حالتهم، حيث يعتبر هذا الحل هو الأقل مرارة.

هجرة بالآلاف

"لم يكن خيار الهجرة إلى دمشق سهلًا"، بهذه العبارة بدأ أيمن العلاو، أحد أبناء عشيرة "الشعيطات"، حديثه لعنب بلدي. وأوضح أنه بعد سقوط النظام وما تبعه من توترات أمنية في المنطقة الشرقية، شهدت المنطقة موجة هجرة كبيرة للشباب باتجاه دمشق، حيث قُدّرت أعدادهم بما يتراوح بين ثمانية آلاف و15 ألف شاب، جميعهم كانوا يبحثون عن الأمان وفرصة لمستقبل أفضل.

في دمشق، اتخذ هؤلاء الشباب مسارات متنوعة، فمنهم من التحق بمؤسسات الدولة المدنية أو العسكرية، وآخرون انخرطوا في سوق العمل الحر كالتجارة والمهن المختلفة، بينما فضل البعض استكمال تعليمهم، إلا أن الطريق لم يكن سهلًا عليهم، وفقًا لأيمن. وأضاف أن معظم الشباب واجهوا تحديات كبيرة في الاندماج في مجتمع العاصمة، بالإضافة إلى المنافسة الشديدة في سوق العمل وارتفاع تكاليف المعيشة. وتعد هذه الهجرة قصة جيل يسعى لبناء حياة مستقرة رغم الظروف القاسية التي دفعتهم لترك أرضهم.

ماهر البجاري، من قرية الدحلة بريف دير الزور الشرقي، ذكر لعنب بلدي أن ما بين خمسة إلى عشرة شباب يغادرون القرية يوميًا متجهين نحو دمشق أو لبنان بحثًا عن فرص عمل، وذلك بسبب انعدامها في مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، باستثناء الانخراط في المجال العسكري، الذي يرفضه الكثير من أبناء المنطقة.

فاروق سرحان، موظف في القطاع العام، أوضح لعنب بلدي أنه انتقل منذ ما يقارب الشهر من ريف دير الزور إلى دمشق، وذلك لثلاثة أسباب: ارتفاع إيجارات المنازل، انخفاض مستوى التعليم بسبب النقص الكبير في المعلمين المختصين، والبحث عن فرص عمل لتوفير حياة معيشية كريمة لعائلته.

تحديات الهجرة

من أبرز التحديات التي تواجه أهالي دير الزور المهاجرين إلى دمشق هي اللهجة، بحسب ما ذكرته سعاد النايف لعنب بلدي، فهي تعاني كحال كثيرين من التنمر على لهجتها، خاصة في المعاملات التجارية. وأشارت سعاد إلى أن "صانعي المحتوى" وناشطين في المجال الإعلامي باتوا "ينمّطون" أبناء دير الزور في محتواهم للوصول إلى "تريند" عبر أشخاص بسطاء يصورون للجمهور أن "ثقافة دير الزور تقتصر على أنغام أغنية لبّت لبّت".

وتابعت أن هناك تحديات أخرى، مثل تأمين السكن والتعليم للأطفال، خاصة أن القطاع التعليمي تضرر في السنوات السابقة بسبب الفصائل التي تعاقبت في السيطرة على المنطقة.

أبعاد متناقضة

تعد هجرة أبناء الريف إلى المدينة ظاهرة عالمية ذات تداعيات معقدة، تلقي بظلالها على كل من المناطق الحضرية والريفية. الباحثة الاجتماعية في إحدى منظمات المجتمع المدني بدير الزور، رؤى العلي، أوضحت لعنب بلدي أن الهجرة إلى المدينة تمثل في كثير من الأحيان فرصة لتحسين مستوى المعيشة للأفراد والعائلات الريفية. ففي المدينة، تتوفر فرص عمل أكثر تنوعًا وأعلى أجرًا في العديد من القطاعات مثل الصناعة والخدمات، مما يسهم في زيادة دخل الفرد وتحقيق الاستقرار المالي، كما يمكن للمهاجرين الاستفادة من خدمات أفضل، مثل التعليم والرعاية الصحية المتطورة، والتي غالبًا ما تكون محدودة أو غير متاحة في الريف، وفقًا للعلي.

وتابعت أن تدفق سكان جدد للمدن يعد محركًا للنمو الاقتصادي، حيث تُوفر الأيدي العاملة الجديدة قوة دفع للصناعات المختلفة وتسهم في زيادة الاستهلاك، بالإضافة إلى أن هذا النمو يمكن أن يُترجم إلى تطوير البنية التحتية، مثل تحسين شبكات النقل والمرافق العامة، لمواكبة التوسع السكاني.

وحول التحديات الإيجابية والسلبية، بينت العلي أن "التحضر السريع" لا يخلو من مشكلات، ففي المدن، تسبب الزيادة المفاجئة في عدد السكان ضغطًا هائلًا على الموارد، مما يؤدي إلى نقص في المساكن وارتفاع أسعار العقارات، كما يرافق ذلك ازدحام على المرافق العامة مثل المواصلات والمستشفيات، ما يتسبب بتدهور في جودة الخدمات. أما بيئيًا، فيؤدي التوسع الحضري إلى تزايد التلوث، سواء كان ذلك من المصانع أو المركبات، مما يؤثر سلبًا على صحة السكان، وفقًا للعلي.

وبالانتقال إلى تداعيات الهجرة على الريف، أشارت إلى أن هجرة الشباب والأيدي العاملة تتسبب بهجرة الأراضي الزراعية، مما يهدد الأمن الغذائي للبلاد، ويؤدي هذا النزوح إلى ضعف الروابط الاجتماعية وتفكك النسيج الأسري الذي يميز المجتمعات الريفية، ويُفقد القرى طابعها الخاص وهويتها الثقافية.

مشاركة المقال: