الإثنين, 21 أبريل 2025 05:53 AM

نزوح عكسي في سوريا: عودة قاسية إلى رأس العين وتل أبيض بسبب الدمار وغياب الخدمات

نزوح عكسي في سوريا: عودة قاسية إلى رأس العين وتل أبيض بسبب الدمار وغياب الخدمات

عنب بلدي – رأس العين لم تكتمل فرحة الأربعيني حارث عقبة بعودته إلى حي الحويقة في دير الزور، بعد تهجيره لأكثر من عشر سنوات من قبل قوات النظام السوري السابق واستقراره في مدينة تل أبيض شمال غربي الرقة. صُدم حارث بالوضع في حي الحويقة، حيث وصل الدمار فيه إلى أكثر من 85%، بالإضافة إلى غياب الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه.

أحياء مدمرة بلا حياة، دفعت حارث وعائلته المكونة من ستة أفراد للنزوح مجددًا من دير الزور إلى تل أبيض بعد استقرارهم في دير الزور لمدة شهر فقط. وقال حارث لعنب بلدي، إن مدينة دير الزور مدمرة وغير صالحة للعيش، رابطًا عودته بعملية إعادة الإعمار وتوفير الخدمات الأساسية فيها على أقل تقدير.

بعد سقوط نظام بشار الأسد، خابت آمال المهجرين العائدين من مدينتي رأس العين وتل أبيض الحدوديتين مع تركيا إلى مناطقهم الأصلية، ليعيشوا رحلة النزوح مجددًا. وعند عودة عشرات العائلات إلى مناطقهم، كانت منازلهم قد دُمرت بالكامل، مع غياب شبه تام للخدمات الأساسية، ما دفعهم إلى اتخاذ قرار العودة مجددًا إلى رأس العين وتل أبيض انتظارًا لتحسن الظروف في مناطقهم الأصلية.

800 شخص.. عود على بدء

بعد سقوط النظام، تحضرت حنان رسلان (43 عامًا) مع أطفالها الأربعة للعودة من رأس العين إلى حي بابا عمرو في مدينة حمص، لتجد منزلها متضررًا، وبحاجة لترميم بأكثر من 50 مليون ليرة سورية، حسب تقديرها. استأجرت منزلًا لها ولأطفالها، لكنها لم تتمكن من تحمّل الإيجار المرتفع الذي وصل إلى مليوني ليرة سورية شهريًا، بالإضافة إلى انقطاع الكهرباء والمياه بشكل متكرر.

منتصف آذار الماضي، عادت حنان وأطفالها عبر طرق “التهريب” إلى رأس العين للعيش فيها، حتى تستقر الأوضاع في حمص وتتوفر الخدمات الأساسية. حصلت عنب بلدي من مخاتير في رأس العين وتل أبيض على إحصائية تشير إلى عودة حوالي 800 شخص من المحافظات السورية إلى المدينتين.

في حين تقتصر العودة من المدينتين إلى المحافظات السورية في الوقت الحالي على قسم من الشبان للاطلاع على أوضاع منازلهم وأملاكهم، ودراسة إمكانية الترميم والاستقرار.

انخفاض نسبة المغادرين 70%

أحمد، العامل في “تهريب” الأشخاص من المحافظات السورية إلى مدينتي تل أبيض ورأس العين وبالعكس، قال لعنب بلدي، إن نسبة المغادرين من المدينتين انخفضت في نيسان الحالي 70% مقارنة بكانون الثاني. وأوضح أنه بعد سقوط النظام، كان يقوم يوميًا بتهريب ما يقارب 30 إلى 40 شخصًا إلى المحافظات السورية، أما في الوقت الحالي، فقد تحولت الأمور عكسيًا، حيث يُطلب منه إعادة أكثر من 25 شخصًا يوميًا إلى المدينتين.

وأشار إلى أن الغالبية العائدة هي من محافظة دير الزور وحمص وريف دمشق، نظرًا لما تعرضت له هذه المناطق من أضرار كبيرة.

مصدر مسؤول في رأس العين، طلب عدم ذكر اسمه لأنه غير مخوّل بالتصريح لوسائل الإعلام، قال لعنب بلدي، إن نسبة العائدين من المحافظات السورية إلى المدينة ليست دقيقة، لكن تم تسجيل عودة ما يقارب 340 شخصًا. وأوضح أن الغالبية العائدة هي من أصحاب الدخل المعدوم الذين فقدوا منازلهم وأعمالهم، وأن سبب عودتهم هو الاستقرار، خاصة أن معظمهم يسكنون في منازل إيجاراتها منخفضة مقارنة بالمحافظات السورية، كما أن الخدمات الأساسية مثل الماء والخبز والكهرباء متوفرة.

وأشار إلى أنه زود الجمعيات الموجودة في رأس العين بأسماء العائدين، لتقديم الدعم لهم وتوفير سلال إغاثية حتى يتم استقرارهم. ويعتمد غالبية المهجرين في رأس العين وتل أبيض على الأعمال اليومية، بينما افتتح قسم منهم مشاريع متواضعة لإعالة أسرهم وتوفير احتياجاتهم. أما القسم الآخر فيعيش في فقر شديد دون أي مصدر دخل، ويعتمد جلهم على الجمعيات الخيرية التي لا تقدم ما يكفي لهم، ما أجبرهم على العيش في ظروف مادية صعبة.

تقع رأس العين وتل أبيض بمحاذاة الحدود التركية، وتسيطر عليهما الحكومة السورية، بينما تحيط بهما جبهات القتال مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، إذ يعتبر منفذها الوحيد نحو الخارج هو الحدود التركية.

عوائق أمام العودة

يشكّل دمار الأبنية وتردي الخدمات عائقًا أمام عودة النازحين واللاجئين السوريين إلى مناطقهم، عدا عن عدم القدرة على دفع أجور النقل، ووجود حقول ألغام تركتها قوات النظام السوري السابق والميليشيات الرديفة لها.

واعتبرت رئيسة المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، إيمي بوب، أن عودة اللاجئين السوريين بشكل واسع تؤدي إلى تأجيج الصراع في سوريا، وتمثل عبئًا ثقيلًا على البلاد، مؤكدة أنها لا تشجع العودة، فـ”المجتمعات ليست جاهزة لاستيعاب اللاجئين”.

وحثت بوب على التريث في خطط إعادة اللاجئين، مشيرة إلى أن بعض المجتمعات تضطر للنزوح مرة أخرى بسبب عدم وضوح الحياة تحت السلطات الجديدة، في حين أكد  المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، أن الوضع الإنساني لا يزال حرجًا.

ووجهت الأمم المتحدة نداء إلى المجتمع الدولي بغية التحرك العاجل للاستثمار في إعادة إعمار سوريا وتنميتها، إذ أكد وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسّق الإغاثة في حالات الطوارئ، توم فليتشر، أن توسيع نطاق الخدمات الأساسية سيكون عنصرًا حاسمًا في تسهيل عودة المهجرين السوريين إلى بلدهم.

مشاركة المقال: