في قرية المشقوق جنوب محافظة السويداء، انطلق شغف الشاب وضاح الحجلي، ليتحول إلى مشروع ثقافي متكامل يهدف إلى الحفاظ على الذاكرة الجماعية لجبل العرب. يبلغ وضاح الحجلي من العمر 27 عامًا، وقد اختار أن يكون حارسًا للتراث، جامعًا لآثار وتفاصيل الحياة القديمة في الجنوب السوري.
رغم إقامته في مدينة السويداء، ظل وضاح الحجلي متعلقًا بمسقط رأسه، القرية التي شهدت بداية حلمه. منذ طفولته، أظهر اهتمامًا بالتاريخ والجيولوجيا، فبدأ بجمع العظام القديمة والأحجار النادرة، ثم انتقل إلى اقتناء القطع الأثرية والعملات القديمة ورصاصات من مخلفات الاحتلال الفرنسي، وحفظها في ركن خاص بمنزل العائلة.
يقول وضاح: "كنت أجد متعة في لمس هذه الأشياء، وكأنها تنقلني إلى عصور بعيدة. وقد شجعتني عائلتي رغم الصعوبات، حتى صار لدي متحف خاص معروف داخل المحافظة وخارجها".
اليوم، يضم متحف وضاح في قريته مئات القطع النادرة التي تؤرخ لتاريخ المنطقة، بدءًا من أدوات الإنسان الحجري والصواني، مرورًا بالعصور النبطية والرومانية والإسلامية والعثمانية، وصولًا إلى مقتنيات الحياة الريفية في القرن الماضي. تشمل المعروضات وثائق عائلية يتجاوز عمرها المئة عام، ونقود قديمة تعود لمراحل تاريخية مختلفة، ومعدات زراعية، ومفارك القمح القديمة، وأوانٍ جلدية تقليدية مثل "الشكوة" و"القربة"، وأدوات صناعة السجاد العربي، وغيرها.
لم يكتفِ وضاح بجمع القطع وعرضها، بل عمل على توثيقها علميًا، وتعاون مع باحثين ومؤرخين. ومن أبرز إنجازاته توثيق عشرات النقوش النبطية والرومانية المكتشفة حديثًا، والتي تواصل بشأنها مع خبراء آثار في فرنسا لترجمتها وتسجيلها ضمن الأبحاث العلمية.
يضيف وضاح: "أعتبر هذا العمل واجبًا ثقافيًا، لا مجرد هواية. فالعديد من هذه النقوش كانت مهددة بالضياع، وشعرت بمسؤولية تجاهها لتوثيقها وتعريف الناس بها".
يستخدم وضاح صفحته على فيسبوك لنشر الصور والمعلومات التوثيقية التي يجمعها من جولاته في قرى الجبل، موثقًا الآثار والروايات الشفهية، وينشر صورًا للطبيعة والحياة البرية.
رغم إنجازاته، يواجه وضاح تحديات كبيرة، مثل نقص التمويل والافتقار إلى المعدات اللازمة لحفظ وترميم القطع، وصعوبة شراء المقتنيات النادرة. ورغم التغطيات الإعلامية، لم يتلقَّ أي دعم رسمي أو غير رسمي حتى الآن.
يطمح وضاح إلى نقل متحفه إلى مدينة السويداء، ليكون متاحًا للزوار والباحثين، وليتمكن من استثماره ماديًا لضمان استمراره وتطوره.
ويختم وضاح: "آمل من الحكومة الجديدة أن تتعامل بجدية مع المتاحف الفردية، وأن تدعم أصحابها. فنحن نحمي هوية وطنية وتاريخًا عريقًا من الاندثار".