الإثنين, 25 أغسطس 2025 11:17 AM

أزمة الرعاية النفسية في رأس العين وتل أبيض: آلاف المرضى يواجهون نقصاً حاداً في الدعم

أزمة الرعاية النفسية في رأس العين وتل أبيض: آلاف المرضى يواجهون نقصاً حاداً في الدعم

عنب بلدي – رأس العين: تعاني مدينتا رأس العين وتل أبيض، الواقعتان في شمالي سوريا، من نقص حاد في مراكز الرعاية النفسية المتخصصة، مما يترك آلاف المرضى يواجهون ظروفهم الصحية دون دعم طبي أو متابعة ضرورية، وذلك في ظل تزايد الحاجة إلى مثل هذه الخدمات.

يقطن المنطقتين نحو 253,000 نسمة، ولا يتوفر فيهما أي مركز طبي أو فريق متخصص في علاج الاضطرابات النفسية، الأمر الذي يؤدي إلى بقاء المرضى دون تشخيص أو علاج مناسب. ويعتمد أغلب المرضى المصابين باضطرابات نفسية في المنطقتين على الأدوية والمهدئات، وذلك بسبب غياب الأطباء المختصين، مما أدى إلى إدمان الكثيرين عليها والحصول عليها من الصيدليات دون وصفة طبية.

غياب الأطباء المختصين

يعاني عمران الكمران (34 عامًا)، من تل أبيض، منذ أربع سنوات من اضطراب ثنائي القطب، وهو مرض نفسي يتسم بتقلبات حادة في المزاج بين فترات من الاكتئاب والنشاط المفرط. وقد تأثر عمران بشكل كبير بهذا المرض، إذ يعاني من تقلبات مزاجية قوية تؤثر على حياته اليومية، وتتركه في حالة من الإحباط والتعب النفسي المتكرر. وأوضح أنه يعتمد على المهدئات التي يصفها له الصيدلي بسبب عدم وجود طبيب مختص، ومع مرور الوقت أصبح مدمنًا عليها، ما أدى إلى تدهور حالته وزيادة شدة الأعراض التي يعاني منها. وطالب المستشفيات والمراكز الصحية في تل أبيض بمعاملة المرضى النفسيين كالمرضى المصابين بأمراض عضوية، وتوفير الدعم الطبي والنفسي اللازم لهم بعيدًا عن الوصمة والتمييز.

أُصيب ابن عماد السلوم، البالغ من العمر 39 عامًا، بمرض نفسي قبل نحو تسع سنوات، ومنذ ذلك الحين تغيّرت ملامح حياته بالكامل، إذ بات يميل إلى العزلة، ويرفض التواصل مع الآخرين، كما تراجعت قدرته على التركيز والانتباه. وبيّن عماد أن تشخيص ابنه تم في عام 2016 بمحافظة حلب، حيث تبين إصابته بمرض الفصام المزمن، وهو اضطراب يحتاج إلى متابعة ورعاية دائمة. وأضاف أنهم كانوا سابقًا يتوجهون إلى مدينة حلب كل ثلاثة أشهر للحصول على العلاج المناسب، ومراجعة الطبيب المختص في حال الحاجة لتعديله. وأشار إلى أن حالة ابنه تدهورت منذ حصار رأس العين عام 2019 من قبل “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، نتيجة عجزهم عن دفع تكلفة تهريبه إلى الرقة، التي كانت تصل إلى مليوني ليرة للشخص الواحد (نحو 200 دولار أمريكي)، مطالبًا بإنشاء مركز طبي أو توفير طبيب متخصص في المستشفيات الحكومية.

منذ 2019، يسيطر على مدينتي رأس العين وتل أبيض “الجيش الوطني السوري” الذي جرى دمجه في قوات وزارة الدفاع السورية، وتحيط بهما جبهات قتال باردة مع “قسد”. وبحسب إحصائية حصلت عليها عنب بلدي من منظمات المجتمع المدني عبر استبيان قامت به في عام 2023، يقدّر عدد المرضى النفسيين في رأس العين وتل أبيض بين 3,500 و4,000 حالة شديدة تحتاج إلى علاج متخصص، إضافة إلى حوالي 2,300 حالة أخرى بحاجة إلى استشارات وتشخيص نفسي.

مرضى دون علاج

تقتصر المساعدة المقدمة للمرضى الذين يعانون من مشكلات نفسية على وصف مهدئات بسيطة داخل العيادات العامة، بينما تظل الحالات الأكثر تعقيدًا دون متابعة حقيقية، ما يؤدي إلى تفاقم أوضاعهم وظهور مضاعفات تهدد حياتهم وحياة من حولهم. قال الطبيب العام من مدينة تل أبيض حسين الماجد، لعنب بلدي، إن تدهور حالات المرضى الذين يعانون من أمراض نفسية يعود إلى نقص الأطباء النفسيين وقلة أطباء الأعصاب في المنطقة. وأوضح أن المرضى يراجعون العيادات العامة، ويشتكون من أعراض مثل القلق واضطرابات النوم وضعف الإدراك، إلا أن الدعم المقدم يقتصر على الرعاية الأولية، حيث توصف لهم مهدئات بسيطة. وأضاف أن بعض الحالات الخطيرة تظل بلا متابعة، ما يشكل خطرًا على المريض ومحيطه. ولفت إلى أن المستشفيات في منطقتي تل أبيض ورأس العين سجلت حالات وفيات بسبب إدمان الأدوية والوصفات الطبية الخارجية. وأكد أن غياب الرعاية النفسية يدفع كثيرين للجوء إلى حلول تقليدية مثل زيارة “المشايخ” أو استخدام الأعشاب، وأحيانًا يُعزل المرضى عن المجتمع، مما يزيد من تفاقم حالتهم النفسية.

من جانبه، قال خليل الظاهر، مدير الصحة في رأس العين، لعنب بلدي، إن المدينة لا تضم أي طبيب متخصص في الطب النفسي، بينما يوجد فيها طبيب أعصاب واحد فقط. وأوضح أن السكان كانوا يلجؤون إلى الداخل السوري لتلقي العلاج النفسي، بسبب نقص الخدمات الطبية المتخصصة محليًا. وأضاف الظاهر أن عدد الحالات النفسية التي تصل إلى المستشفيات في تزايد مستمر، مع غياب الدعم الكافي والمتابعة الدقيقة، مما يزيد من معاناة المرضى. وأشار إلى أن نقص الأطباء المتخصصين يجعل الكثير من المرضى يعتمدون على المهدئات والوصفات الطبية غير المنظمة، ما يؤدي إلى تدهور حالتهم الصحية والنفسية. وأكد أن الوضع الراهن يستدعي اهتمامًا عاجلًا بهذا الجانب الطبي الحيوي، وأنهم بصدد العمل على إيجاد حلول تضمن توفير الرعاية النفسية المناسبة في المنطقة.

وسجلت مدينتا رأس العين وتل أبيض أكثر من 11 حالة انتحار منذ بداية عام 2024، بحسب ما رصده مراسل عنب بلدي، ويُشتبه بأن الأغلبية العظمى من هذه الحالات كانت تعاني من أمراض نفسية غير معالجة. وترجع أسباب هذه الحالات بشكل أساسي إلى الفقر والحروب والبطالة وانتشار المخدرات في المجتمع، ما أدى إلى زيادة عدد المرضى وتدهور حالتهم النفسية، بالإضافة إلى ارتفاع معدلات الانتحار. وقدّرت منظمة الصحة العالمية أن شخصًا من كل عشرة أشخاص في سوريا يعاني من اضطرابات نفسية خفيفة إلى متوسطة، بينما يعاني شخص من كل 30 شخصًا من اضطرابات نفسية شديدة نتيجة التعرض المستمر للنزاع.

مشاركة المقال: