تشهد العاصمة السورية دمشق وريفها ارتفاعًا غير مسبوق في أسعار العقارات وإيجارات المنازل، ما أثار موجة من الشكاوى بين السكان، سواء القادمين من محافظات أخرى أو العائدين من الخارج. الظاهرة التي باتت تؤرق العديد من العائلات تزامنت مع ضغط سكاني متزايد واستغلال واضح من قبل أصحاب العقارات والمكاتب العقارية.
في هذا السياق، يقول “أبو هشام”، صاحب مكتب عقاري في دمشق في حديث خاص لمنصة سوريا 24، إن أسباب ارتفاع الإيجارات تعود إلى عدة عوامل متداخلة، أبرزها قلة المعروض من البيوت مقابل الطلب المتزايد، مشيرًا إلى أن “عودة الأهالي من شمال غرب سوريا والمناطق المحررة، بالإضافة إلى عودة بعض السوريين من أوروبا ومنطقة الخليج، زادت من حجم الضغط على السوق العقارية، ما أدى إلى ارتفاع جنوني في الأسعار وتحكم غير منضبط من قبل مالكي العقارات”.
وأوضح “أبو هشام” أن غياب المشاريع السكنية الجديدة في دمشق، إلى جانب الكثافة السكانية الكبيرة في المدينة، فاقم من أزمة الإيجارات، مضيفًا أن عدم وجود قانون ينظم أسعار الإيجارات أو يفرض سقفًا لها، ساهم بدوره في تفاقم المشكلة، وأعطى مساحة واسعة للمضاربة والاستغلال.
ولا تقتصر شكاوى ارتفاع الإيجارات على العائدين من المحافظات الأخرى، بل طالت أيضًا سوريين قادمين من أوروبا ودول الخليج، والذين أبدوا استغرابهم من الأسعار المرتفعة مقارنة بمدن كبرى مثل إسطنبول. بعضهم ذهب إلى حد القول إن السكن في إسطنبول، المدينة الكبرى ذات الكثافة السكانية العالية، أصبح أقل تكلفة من السكن في دمشق.
من جانبها، ترى “مرح”، وهي صاحبة منزل للإيجار في منطقة العفيف، أن للأزمة أبعادًا اقتصادية أخرى، موضحة أن “تراجع فرص العمل، وضعف القدرة الشرائية للناس، دفع أصحاب المنازل إلى رفع الإيجارات في محاولة لتعويض مصادر دخلهم وتأمين احتياجاتهم اليومية”. وأضافت: “اليوم هناك عائلات تعتمد على عائدات إيجار المنازل لتغطية مصاريفها الأساسية، خاصة مع استمرار الغلاء في أسعار المواد الغذائية والخدمات”.
تشير تقديرات إلى أن متوسط إيجار منزل عادي في أحياء دمشق الشعبية بات يتراوح بين خمسة إلى سبعة ملايين ليرة سورية شهريًا، مع تفاوت الأسعار بين منطقة وأخرى بحسب الموقع والخدمات المتوفرة. ومع غياب أي رقابة حكومية أو تدخل فعّال لضبط السوق، يبدو أن الأزمة مرشحة لمزيد من التعقيد، مما يزيد من معاناة السكان ويهدد بمفاقمة الأوضاع المعيشية الصعبة أساسًا في دمشق وريفها.
من جانبه، أوضح الباحث الاقتصادي محمد غزال في حديث سابق لمنصة سوريا 24 أن ارتفاع أسعار وإيجارات العقارات في دمشق وريفها يعود إلى الطفرة الاقتصادية التي رافقت مرحلة ما بعد تحرير دمشق وعودة المهجرين والمغتربين، مما زاد الطلب على المساكن. ورأى غزال أن هذا الارتفاع مؤقت، متوقعًا أن تستقر الأسعار أو تنخفض نسبيًا مع بدء مشاريع إعادة الإعمار وزيادة العرض السكني، مؤكدًا أن استقرار أسعار العقارات يرتبط باستقرار الليرة السورية، داعيًا إلى تدخل حكومي لضبط السوق وتنظيم الأسعار بما يحقق التوازن.