عنب بلدي – عمر علاء الدين – يحل الشتاء بوطأته على حوالي 4.2 مليون تلميذ وطالب في سوريا، وسط توقعات بعودة 1.5 مليون طالب من الخارج لاستكمال تعليمهم، مما يزيد الضغط على المدارس التي تعاني نقصًا في التجهيزات، وعلى رأسها المقاعد الدراسية، بالإضافة إلى الدمار الذي لحق بالكثير منها نتيجة للقصف الذي تعرضت له من قبل قوات النظام السابق خلال السنوات التي تلت اندلاع الثورة عام 2011.
انتشرت مؤخرًا على مواقع التواصل الاجتماعي صور ومناشدات من الأهالي في مختلف المحافظات، تعكس النقص الحاد في المقاعد الدراسية، حيث يظهر أطفال يفترشون الأرض في الفصول الدراسية، بسبب كثرة الطلاب الملتحقين بالمدارس وضعف القدرة الاستيعابية للمدارس وافتقارها للمستلزمات الأساسية.
من درعا إلى إدلب
رصدت عنب بلدي نقصًا في المقاعد الدراسية في عدد من المدارس بمختلف المحافظات السورية، من درعا جنوبًا وصولًا إلى إدلب شمالًا. وأفاد مراسل عنب بلدي في درعا بوجود أزمة مقاعد دراسية في المحافظة لأسباب عدة، منها عودة المهجرين الذين كانوا في الأردن وتركيا إلى مدنهم وقراهم، بالإضافة إلى عدم بناء مدارس جديدة في درعا طيلة الـ 11 عامًا الماضية، مما زاد الضغط على المدارس القائمة. يبلغ عدد المدارس في درعا 988 مدرسة، 363 منها مدمرة بشكل جزئي و 111 بشكل كلي. وقد أدى نقص المقاعد إلى اكتظاظ الغرف الصفية واللجوء إلى نظام الدوامين (صباحي ومسائي)، مما أثار استياء الأهالي. تقوم حملة "أبشري حوران" بتقديم مقاعد جديدة للمدارس بشكل دوري، إلا أن ما تقدمه الحملة لا يكفي لتلبية الحاجة الفعلية، بحسب المراسل. وأكد مدير التربية في درعا، محمد الكفري، أن المحافظة تعاني من نقص كبير في المقاعد الدراسية، مشيرًا خلال جولة لمتابعة تصنيع المقاعد الدراسية في المعهد الفني الصناعي ضمن حملة "أبشري حوران" إلى أنه جرى توزيع وتصنيع ما يقرب من 6000 مقعد.
وفي دير الزور، يعاني الوضع التعليمي من مشكلة مماثلة، حيث طالب أهالٍ وطلاب قابلتهم عنب بلدي في مدينة القريا بتوفير مقاعد دراسية للطلاب الذين يجلسون على الأرض، وكذلك تأمين كادر تدريسي للمدرسة نفسها. كما تعاني مدارس أخرى في المحافظة من قلة المقاعد، مثل مدارس "حسن مطر الحمادي" في الميادين، و"قرية الزر" شرق المحافظة، و"موحسن الشرقية".
تسليم دفعة من المقاعد الدراسية إلى المجمع التربوي في منطقة معرة النعمان بإدلب ـ 21 تشرين الأول 2025 (محافظة إدلب)تصنيع 60 ألف مقعد
تؤكد وزارة التربية والتعليم السورية وجود نقص في المقاعد الدراسية في جميع مدارس سوريا، وفقًا لما قالته مديرة التعليم المهني في الوزارة، سوسن حرستاني، لعنب بلدي. وأشارت حرستاني إلى أنه من خلال مديرية التعليم المهني في الوزارة، جرى إعداد خطة لتصنيع حوالي 60 ألف مقعد مدرسي في عموم سوريا. وتهدف هذه الخطوة إلى تلبية احتياجات المدارس، حيث يتم العمل بمشاركة الطلاب في التعليم المهني وتحت إشراف المدرسين. ووفقًا لما قالته مديرة التعليم المهني، فإن هذه العملية تجري على مرحلتين، الأولى تشمل إنتاج مقاعد وتسليمها حسب الحاجة، أما الثانية فتهدف إلى تأهيل طلاب التعليم المهني بالمهارات اللازمة لدخول سوق العمل.
تغطية قسم من الاحتياجات
في 13 من تشرين الأول الحالي، أعلنت مديرية تربية ريف دمشق تلبية احتياجات مدرسة "بالا" المختلطة في مدينة النشابية، بعد تداول صورة للطلبة دون مقاعد دراسية. واستطاعت المديرية تأمين مقاعد للطلبة الذين يفترشون الأرض، مؤكدة حرصها على تلبية احتياجات المدارس في مختلف مناطق ريف دمشق من مقاعد ومستلزمات تعليمية، وتوفير بيئة تعليمية آمنة ومجهزة بما يخدم الطالب والمعلم. وعلى إثر ذلك، قال مدير التربية والتعليم في ريف دمشق، فادي نزهت، إن محافظة ريف دمشق تحتاج إلى 50 ألف مقعد دراسي، بينما استطاعت المديرية، من خلال دعم الوزارة وحملة "ريفنا بيستاهل" تأمين قرابة عشرة آلاف مقعد، عبر تصنيعها في الثانويات الصناعية وورشات المجتمع المحلي.
وفي إدلب جرى تسليم دفعة من المقاعد الدراسية إلى المجمع التربوي في منطقة معرة النعمان، وهي الأولى من المشروع الذي يستهدف توزيع عشرة آلاف مقعد دراسي، بهدف دعم العملية التعليمية وتحسين بيئة التعلم في مدارس المحافظة، بحسب بيان نشرته محافظة إدلب في 21 من تشرين الأول الحالي. وأعلنت معاونة مدير التربية في إدلب، جميلة الزير، أن المحافظة ما زالت بحاجة إلى أكثر من 20 ألف مقعد إضافي لتغطية النقص القائم وخصوصًا في مناطق ريف إدلب الجنوبي. أما في محافظة حماة، فتسعى مديرية التربية إلى تأمين ما لا يقل عن 25 ألف مقعد دراسي لتلبية احتياجات المدارس في مختلف المناطق، وفقًا لما قالته المديرية في بيان نشرته في 12 من تشرين الأول الحالي. ويأتي ذلك ضمن خطة شاملة تهدف إلى تحسين البيئة التعليمية وتوفير الظروف الملائمة للطلاب والتلاميذ. أما في حلب، فقد شهدت مدارس الأحياء الشرقية في المحافظة غيابًا للمقاعد الدراسية، خصوصًا أنها مناطق شهدت دمارًا واسعًا خلال سنوات الحرب، مما انعكس على بنيتها التحتية وخدماتها العامة. وفي وقت سابق، قالت مديرية التربية في حلب لعنب بلدي، إنها تعمل على تجهيز مقاعد وصيانة أخرى، موضحة أن هنالك توجهًا لتصنيع مقاعد جديدة ستوزع على المدارس بشكل عام. وأكدت المديرية أن العملية تتم "أولًا بأول" لضمان وصول المقاعد للمدارس التي تعاني من نقص، بما يسهم في توفير بيئة تعليمية أفضل للطلاب.
تحديات قطاع التعليم
رغم الخطط المستقبلية، تواجه وزارة التربية السورية عدة تحديات تتمثل في:
- البنية التحتية: وفق إحصاءات رسمية لوزارة التربية، يضم قطاع التعليم نحو 19,400 مدرسة، منها 7,900 مدرسة مدمرة كليًا أو جزئيًا، أي ما يعادل 40% من إجمالي المدارس، الأمر الذي يحرم مئات آلاف الأطفال من حقهم في التعليم.
- التسرب المدرسي والطلاب العائدون: إذ يدرس حاليًا نحو 4.2 مليون طفل داخل سوريا، مقابل 2.4 مليون متسربين، كما يُتوقع عودة 1.5 مليون طالب من خارج البلاد، ما يضع الوزارة أمام تحديات إضافية تتعلق بتأمين مقاعد دراسية وخطط دمج ملائمة.
- إصلاح قطاع التعليم يحتاج إلى مبالغ ضخمة غير متوفرة لدى الحكومة، بينما تتعثر جهود جمع المال من قبل الأمم المتحدة، إذ لم تتمكن من تأمين سوى 25.1 مليون دولار من أصل 133.9 مليون دولار هذا العام، بواقع فجوة تمويلية بلغت 108.7 مليون دولار.
في 17 من آب الماضي، أكد وزير المالية، محمد يسر برنية، خلال فعالية إطلاق حملة "أعيدوا لي مدرستي"، أن القطاعات الأكثر استحواذًا على الإنفاق في موازنة الدولة تشمل الصحة والتعليم والشؤون الاجتماعية. وأضاف الوزير أن الشراكة ضرورية في عملية ترميم المدارس، لافتًا إلى وجود إعفاء ضريبي يصل إلى 20% في حال دعم هذا القطاع. وأشار إلى أن الحكومة حصلت على وعود من صندوق التنمية السعودي لدعم ترميم المدارس المدمرة، مع إمكانية اللجوء إلى القروض في حال الحاجة إلى تمويل إضافي لإصلاح المدارس وبناء العملية التعليمية.