إدلب – سماح علوش: في خضم التحديات التي تواجهها المرأة السورية، بين الاندماج في المجتمع وتأمين دخل إضافي لمواجهة الأعباء المعيشية، وجدت إيمان الخطيب في صناعة الأشغال اليدوية فرصة للعمل من المنزل. اختارت إيمان صناعة قطع فنية تُدعى "الكونكريت" لمساعدة زوجها وعائلتها على تلبية احتياجات الحياة.
على مر سنوات الحرب، حققت نساء سوريات نجاحات في مجالات عدة، رغم الصعوبات كالتهجير والنزوح وفقدان الممتلكات ومصادر الرزق. كان العمل من المنزل ملاذهن، مستفيدات من الانفتاح على العالم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي لعبت دورًا بارزًا في انتشار أعمالهن والترويج لها.
ما هو "الكونكريت"؟
أوضحت إيمان لعنب بلدي أن "الكونكريت" هو قطع فنية للزينة بأشكال وأحجام متنوعة، تُصنع بخلط مواد مختلفة بنسب محددة. تشمل المواد المستخدمة "بودرة الخرسانة"، وهي مادة تستخدم في صناعة الديكورات والتحف الفنية، بالإضافة إلى الأسمنت الأبيض والرمل الناعم ومسحوق الرخام والألوان. يُضاف الماء لخلط المزيج، ثم يُسكب في قوالب من "السيليكون" المخصصة.
بعد تصلب المزيج، يصبح جاهزًا للإزالة من القالب ودهنه بـ"الورنيش"، وهي المادة التي تمنح القطعة اللمعان وتحافظ عليها. يُستخدم أيضًا "الجهاز الرجاج" لإفراغ الفقاعات من القطع لتصبح أقوى وأكثر مقاومة للكسر.
إيمان، المهجرة من بلدة كفرنبل في ريف إدلب الجنوبي، قررت العمل بـ"الكونكريت" بعد سقوط النظام، حيث وجدت طلبًا عليه في الأسواق، واعتبرته خيارًا سهل الصنع والتشكيل، ومواده متوفرة دائمًا. يعمل زوجها محاسبًا في إحدى الشركات بمدينة إدلب، براتب لا يتجاوز 250 دولارًا. منذ سقوط النظام السوري السابق، رفع صاحب المنزل الإيجار من 100 إلى 200 دولار، مما حفزها على العمل والإصرار على النجاح.
عدلة الحسين، مهجرة أيضًا من مدينة حلب وتقيم في إدلب، كان لها دافع مختلف. عملها في فن صناعة قطع "الكونكريت" نابع من حبها للحرف والأشغال اليدوية. بدأت بإعادة تدوير أشياء قديمة لتحويلها إلى تحف فنية بعد تشكيلها وتلوينها.
هدف عدلة ليس فقط كسب المال، بل الاستمتاع بالعمل، مؤكدة أن "ما يُصنع بحب يكون دائمًا أجمل". تعلمت صناعة "الكونكريت" من خلال مشاهدة مقاطع فيديو تعليمية على منصة "يوتيوب"، وتجربتها مرارًا وتكرارًا لتعلم النسب اللازمة للخلط وتجنب الأخطاء الشائعة، مثل دهن الورنيش قبل حف القطعة وتمليسها للحصول على مظهر أنيق.
أسعار مقبولة والتسويق أساسي
تعتمد أسعار قطع "الكونكريت" على حجم القطعة و"الإكسسوارات" والرسومات، ولكنها بشكل عام تعتبر رخيصة ومناسبة للهدايا. ورغم أن العمل بـ"الكونكريت" ليس مكلفًا كالعديد من الفنون الأخرى مثل "الريزن"، فإنه يتطلب توفير مجموعة من القوالب لتلبية مختلف الأذواق، وفقًا لعدلة. تعتبر أسعار القوالب مرتفعة مقارنة بأسعار المواد، حيث تبدأ من ثلاثة دولارات للقوالب الصغيرة وقد تصل إلى 25 دولارًا.
هلا عبيد، التي تعمل بفن "الكونكريت" لتغطية تكاليف دراستها الجامعية، أشارت إلى أن موسم الصيف يشهد نشاطًا في الأفراح والمناسبات، مما يزيد الطلب على قطع "الكونكريت" لتوثيق اللحظات بأشكال ملائمة لكل مناسبة مع كتابة التاريخ عليها.
يعتمد التسويق للأشغال اليدوية بشكل أساسي على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي. بحسب هلا عبيد، يعتمد تحقيق دخل كافٍ على التسويق الجيد والتصوير الاحترافي الذي يبرز جمال كل قطعة. في المقابل، تعتمد عدلة في الترويج على علاقاتها الاجتماعية، ورغم أنها لم تنشئ صفحة خاصة بأعمالها، فإنها تعتبر الإقبال جيدًا.
لا تخلو من صعوبات
تتعرض القوالب للتلف أحيانًا، مما يضطر العاملات لشراء قوالب جديدة من تركيا، وقد يتأخر وصولها لأكثر من أسبوعين. كما تواجه العاملات في "الكونكريت" مشكلات أخرى، مثل تخصيص مكان للعمل بعيدًا عن الأطفال، لتجنب تلف القطع، وهو ما يتطلب مساحة إضافية في المنزل قد لا تتوفر للجميع.
قالت المدربة فاطمة الزيدان، العاملة في مجال دعم وتمكين المرأة وتطوير الأعمال، إنه لوحظ مؤخرًا توجه كبير من النساء للعمل بـ"الكونكريت"، لأنه يمثل مهنة منزلية تجمع بين "الفن والإبداع"، بالإضافة إلى الأرباح التي يمكن تحقيقها. قدمت الزيدان نصائح للنساء للاستمرار، أهمها التركيز على جودة المنتج والتميز من خلال منتجات فريدة أو لمسة مميزة، بالإضافة إلى حساب التكاليف بدقة لتجنب الخسائر، وهو أمر يركز عليه مطورو الأعمال في التدريبات التي يقدمونها للنساء، لأنه أساس الاستمرار والحفاظ على التدفقات النقدية ضمن المشروع. وأكدت الزيدان على أهمية التركيز على التسويق عبر منصات التواصل الاجتماعي (فيسبوك، واتساب، إنستجرام…)، لأنه سهل ولا يتطلب تكاليف إضافية.