الأربعاء, 10 سبتمبر 2025 07:59 PM

إسرائيل تستهدف قيادات حماس في الدوحة: هل تجاوزت الخطوط الحمر وتُعرّض الوساطة للخطر؟

إسرائيل تستهدف قيادات حماس في الدوحة: هل تجاوزت الخطوط الحمر وتُعرّض الوساطة للخطر؟

في تصعيد خطير، نفّذ العدو الإسرائيلي، يوم أمس، محاولة لاغتيال قيادات حركة «حماس» في العاصمة القطرية الدوحة، مستهدفاً مقر اجتماع لهم. تأتي هذه العملية في سياق استراتيجية «قطع الرؤوس» التي تتبعها إسرائيل ضد قوى المقاومة منذ بداية الحرب على غزة.

العملية، التي أُطلق عليها الاسم العبري «قمّة النار»، لم تقتصر على كونها هجوماً أمنياً وعسكرياً، بل بدت كمحاولة لتقويض مسار الوساطة القائم، واستهدافاً مباشراً للدور القطري الذي ترعاه واشنطن في صياغة اتفاق لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين العدو و«حماس».

على الرغم من فشل محاولة الاغتيال، إلا أن خطورتها وتداعياتها لا يمكن التقليل منها. فمن خلال هذه العملية، يكون الانفلات الإسرائيلي قد وصل إلى مراحل متقدمة جداً، رغم أن ذلك كان متوقعاً. وأكدت مصادر مطّلعة لـ«الأخبار» أن السلطات المصرية، التي تشارك قطر في رعاية الوساطة، ناقشت مع مسؤولي «حماس» المخاطر الأمنية التي تهدد قادة الحركة خارج الأراضي الفلسطينية، خاصة في لبنان وتركيا. إلا أن تنفيذ عملية اغتيال في قطر، وبهذه العلنية، شكل صدمة للدوحة والقاهرة على حد سواء، خاصة بعد إبلاغ واشنطن للقطريين بالضربة بعد عشر دقائق من وقوعها، على عكس المزاعم الأميركية بأن التنبيه سبق الهجوم.

في سياق متصل، يبدو زعم رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، بأنه قرر تنفيذ الاغتيال عقب العملية الفدائية التي وقعت في القدس، أمراً مثيراً للسخرية، إذ إن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أيال زامير، كان قد هدد منذ أكثر من أسبوع قيادة «حماس» في الخارج، ملمحاً إلى عزم إسرائيل على تصفية تلك القيادة، وهو تلميح قديم بدأ الترويج له منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

شارك في الغارات ما لا يقل عن عشر طائرات حربية إسرائيلية، قطعت نحو 1800 كيلومتر، عبر الأجواء الأردنية والسورية والعراقية والسعودية، لتطلق عشرة صواريخ دقيقة استهدفت مبنى في الدوحة كان يحتضن اجتماعاً لوفد القيادة السياسية لـ«حماس».

من غير الممكن أن تنفذ إسرائيل عملية بهذا الحجم في دولة خليجية حليفة للولايات المتحدة دون رضا وموافقة ضمنية من الأخيرة، حتى لو نفت واشنطن ذلك. فوجود القاعدة العسكرية الأميركية في العديد يفترض وجود إعلام مسبق بالهجوم لدى قيادة المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي. يذكر أن القائد الجديد لهذه القيادة زار تل أبيب قبل أيام قليلة والتقى كبار المسؤولين العسكريين والأمنيين في الكيان.

شنّت قطر هجوماً إعلامياً عنيفاً على إسرائيل، واصفة العملية بـ«إرهاب الدولة».

مع افتراض صحة ادعاء الأميركيين بعدم علمهم المسبق بالهجوم، ما هو موقف الولايات المتحدة من هذا الاعتداء؟ وهل ستمتنع عن استخدام «الفيتو» حيال أي إجراءات مفترضة ضد إسرائيل في «مجلس الأمن»، مراعاة لـ«الحليف الاستراتيجي» القطري؟ وكيف سيبرر الهجوم الإسرائيلي في وقت كانت فيه الوساطة القطرية – المصرية تقود نقاشاً متقدماً حول اقتراح لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، بناءً على مبادرة حملها المبعوث الأميركي، ستيف ويتكوف، الأسبوع الماضي إلى باريس، وأعلن عنها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بنفسه؟

أكد نتنياهو، في بيان رسمي، أنه أمر الأجهزة الأمنية بالاستعداد لاستهداف قيادات «حماس» في أعقاب الهجمات التي وقعت في القدس وغزة، مشيراً إلى أن قيادة الحركة هي من نظمت «مجزرة السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وتواصل تبني عمليات ضد إسرائيل»، بما في ذلك الهجوم الأخير في القدس. وأضاف أن الهجوم في قطر نُفذ بمشاركة سلاح الجو وبموافقة رؤساء الأجهزة الأمنية، مشدداً على أن «العدو لن ينعم بالحصانة» وأن «دماء الإسرائيليين لن تُهدَر».

توعد قادة الحركة بملاحقتهم في أي مكان في العالم، مؤكداً أن «قادة حماس احتفلوا بعملية السابع من أكتوبر في قطر، وقد تم استهدافهم في الموقع نفسه»، علماً أن التسجيل المصور لقادة «حماس» وهم يحتفلون بعملية «طوفان الأقصى» كان في إسطنبول وليس في الدوحة.

في المقابل، دانت حركة «حماس» بشدة الهجوم، معتبرة إياه «جريمة بشعة وعدواناً سافراً» وانتهاكاً صارخاً لسيادة دولة قطر، التي تقوم بدور الوسيط في المفاوضات، إلى جانب مصر. وقالت الحركة في بيانها إن الهجوم استهدف وفدها المفاوض، الذي كان يناقش تفاصيل المقترح الأميركي الأخير، وإن «المحاولة فشلت»، رغم سقوط شهداء في صفوفها. وأكدت أن العدو يسعى لإفشال كل جهود التهدئة، غير مبال بحياة أسراه لدى المقاومة، محمّلة الإدارة الأميركية مسؤولية مشتركة عن العملية، بسبب «دعمها الدائم لجرائم الاحتلال». وأعادت «حماس» تأكيد مطالبها، وهي: وقف العدوان، الانسحاب الكامل من قطاع غزة، تبادل أسرى حقيقي، وبدء الإعمار.

من جهتها، شنّت قطر هجوماً إعلامياً عنيفاً على إسرائيل، واصفة العملية بـ«إرهاب الدولة». وأكّد رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن، أنّ الدوحة لن تتهاون بشأن سيادتها، وستردّ بحزم على أي اختراق، لافتاً إلى «تشكيل فريق قانوني لاتخاذ إجراءات ردعية ضد الهجوم». وقال إنّ «نتنياهو يقود المنطقة إلى مرحلة لا يمكن إصلاحها»، واصفاً إيّاه بـ«المارق» الذي يحاول «إعادة تشكيل الشرق الأوسط على نحو كارثي». وأضاف أنّ الهجوم لم تُبلّغ به بلاده مسبقاً، وأن اتصالاً من مسؤول أميركي ورد بعد دويّ الانفجارات بعشر دقائق فقط.

داخل الكيان، كشفت «القناة 13» العبرية عن أن مسؤولين كباراً في الجيش والحكومة اعتبروا التوقيت «غير مناسب» لتنفيذ العملية، وفضلوا استنفاد فرص التفاوض القائمة بوساطة قطرية. كما أفادت قناة «كان» بأنّ رئيس الأركان، ورئيس «الموساد»، ورئيس «شعبة الاستخبارات العسكرية»، ورئيس «مجلس الأمن القومي»، أبدوا جميعاً تحفّظاً على توقيت الهجوم، لا على مبدأ تنفيذه، فيما ذكرت «القناة 12» أنّ جهاز «الموساد» لم يشارك فعلياً في التنفيذ، رغم علمه المُسبق بالعملية.

أما في واشنطن، فزعم مستشارو ترامب، بحسب مراسل موقع «أكسيوس»، أنّ «إسرائيل لم تستشر واشنطن قبل القصف»، وأنّ الأخيرة تلقّت بلاغاً متأخّراً. وأضافوا أنّ الولايات المتحدة رصدت الطائرات الإسرائيلية عبر الرادارات قبل أن تتلقّى إشعاراً رسمياً من تل أبيب، ما ولّد استياءً أميركياً من العملية التي تمّت أثناء وساطة تقودها واشنطن. أما صحيفة «إسرائيل اليوم»، فنقلت عن مصادر استخبارية أنّ فكرة استهداف قادة «حماس» في قطر طُرحت منذ عام، لكنّها رُفضت سابقاً بسبب الخلاف مع الأميركيين، إلى أن أُعطي «الضوء الأخضر» أخيراً، على الأرجح بعد زيارة الوزير رون ديرمر إلى الولايات المتحدة قبل أيام.

مشاركة المقال: