السبت, 23 أغسطس 2025 06:10 PM

إسرائيل واستراتيجية "الفوضى المُدارة": كيف تستغل أزمات المنطقة لتعزيز هيمنتها؟

إسرائيل واستراتيجية "الفوضى المُدارة": كيف تستغل أزمات المنطقة لتعزيز هيمنتها؟

يحيى شمص - تتّبع إسرائيل، بقيادة بنيامين نتنياهو، استراتيجية معقدة تُعرف بـ "الفوضى المُدارة"، تهدف إلى إعادة تشكيل المنطقة. وبدلاً من المواجهات العسكرية المباشرة، تستغل إسرائيل الانقسامات والصراعات الداخلية في الدول المجاورة لتحقيق أهدافها التوسعية وتأمين تفوقها العسكري، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الاستراتيجية مُخططاً لها أم مجرد انتهازية مؤقتة.

تهدف هذه الاستراتيجية إلى إضعاف الخصوم وخلق ظروف مواتية لفرض السياسات التوسعية الإسرائيلية وتأمين التفوق العسكري في المنطقة.

تكتيك "الفوضى المُدارة": استراتيجية أم انتهازية؟

يرى الباحث في الشأن الإسرائيلي، نزار نزال، أن إسرائيل، وخاصة حكومة نتنياهو، تتعامل مع الأزمات الإقليمية بطريقة ممنهجة، وتقوم بـ "إدارة الفوضى" لخلق حالة من الاضطراب تخدم مصالحها. ويشير إلى أن هذه الاستراتيجية تهدف إلى "تفكيك الدول والمجتمعات والحركات في المنطقة، ما يبقيها منشغلة بصراعاتها الداخلية ويجعل إسرائيل الطرف الأكثر استقراراً وهيمنة".

ويضيف في حديث لـ "النهار" أن إسرائيل تتعامل مع الأزمات الإقليمية "بطريقة مدروسة وغير عشوائية. فمنذ عام 2011، استغلت الانقسام السياسي الحاد في لبنان والأزمة السورية، ما أضعف قدرة دمشق وبيروت على تشكيل جبهة موحدة ضد الاعتداءات الإسرائيلية". وقد سمح هذا الواقع لإسرائيل بشن ضربات جوية متكررة في سوريا ضد أهداف إيرانية وأخرى تابعة لـ "حزب الله" دون رد مباشر، وهو ما يندرج ضمن عقيدة "المعركة بين الحروب" لإضعاف القدرات العسكرية للخصوم.

ويعتبر نزال الانقسام الفلسطيني "فرصة ذهبية" لنتنياهو، حيث أضعفت إسرائيل الموقف التفاوضي الفلسطيني من خلال تغذية الانقسام بين حركتي "فتح" و"حماس"، وسمحت لنفسها بتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية بشكل غير مسبوق.

إستراتيجية السيطرة من دون احتلال مباشر

يشير نزال إلى أن إسرائيل تسعى إلى فرض نفوذها وتوسيع هوامشها الأمنية دون الحاجة إلى احتلال مباشر، وذلك عبر فرض مناطق عازلة غير رسمية، كالجولان، أو معادلات ردع في لبنان وغزة.

ويؤكد أن إسرائيل تستخدم الفوضى أداة لتحقيق أهدافها، خاصة منع ظهور أي قوة إقليمية قد تهددها، ويلفت إلى أن هذه السياسات تمنحها شرعية داخلية بذريعة "أمنها المهدد"، وشرعية خارجية لتبرير تدخلاتها العسكرية.

ويوضح أن إسرائيل تسعى إلى توسيع هوامشها الأمنية والجغرافية دون اللجوء إلى احتلال مباشر جديد، كما حدث عام 1967. وبدلاً من ذلك، تفرض إسرائيل مناطق عازلة غير رسمية، مثلما يحدث في الجولان السوري، أو تفرض معادلات ردع في لبنان وغزة.

"هندسة الفوضى" وتوسيع النفوذ

من جهته، يوافق الكاتب والباحث في مركز "تقدم للسياسات"، أمير مخول، على أن إسرائيل لم تكتفِ بـ "استغلال" الفوضى، بل ساهمت في "هندستها" لتخدم أهدافها.

ويؤكد لـ "النهار" أن إسرائيل تسعى إلى خلق "أمر واقع" عبر توسيع حدودها وضم الأراضي، وليس فقط من خلال "التطبيع". ويرى أن ادعاء إسرائيل أنها "حامية" للأقليات كالدروز والأكراد هو مجرد "ذرّ للرماد في العيون"، وهدفها الحقيقي هو تحويل مناطق مثل السويداء إلى إقليم يخضع لسيطرتها، وإنشاء "منطقة عازلة" جنوب دمشق.

استغلال الانقسامات

يصف مخول الفوضى في سوريا بأنها "هندسة جيو-سياسية" تهدف إلى إخضاع النظام السوري الجديد أو إسقاطه. وترى إسرائيل أن هذا النفوذ البنيوي المستدام في سوريا هو جزء من صراع أوسع مع النفوذ التركي.

وفي ما يخص لبنان، يرى أن الوضع الحالي هو "الأفضل لإسرائيل منذ عقود"، نتيجةً لما يعتبره "انتصاراً عسكرياً إسرائيلياً وتغيراً في التوازنات الداخلية". ويعتقد أن استمرار حالة عدم الاستقرار في لبنان يخدم مصالح إسرائيل، التي لا ترغب في إعادة الإعمار أو انسحابها من المناطق المتنازع عليها، وتسعى إلى تفكيك العلاقة بين إيران و"حزب الله".

أما على الصعيد الفلسطيني، فيشير إلى أن استراتيجية نتنياهو تقوم على استغلال الانقسام وتعميقه بين الضفة الغربية وقطاع غزة لمنع قيام دولة فلسطينية. ويؤكد أن إبقاء قطاع غزة "منطقة طاردة للحياة" ومنع إعمارها، مع رفض أي صيغة لمشاركة السلطة الفلسطينية في إدارتها، هي جزء من استراتيجية إسرائيلية لتعزيز الوضع القائم.

وأخيراً، يؤكد مخول أن الاستهداف المستمر للفصائل المسلحة في سوريا وغزة ولبنان هو "جزء من استراتيجية تهدف إلى إبقاء المنطقة في حالة دائمة من عدم الاستقرار، ما يبرر التدخلات الإسرائيلية ويحقق أهدافها التوسعية".

أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار

مشاركة المقال: