الإثنين, 30 يونيو 2025 11:54 PM

إيران تستخلص العبر من العدوان الأخير: استراتيجية جديدة قيد التكوين

إيران تستخلص العبر من العدوان الأخير: استراتيجية جديدة قيد التكوين

بعد مرور أسبوع على إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن موافقة كيان الاحتلال على «وقف إطلاق النار» مع الجمهورية الإسلامية، يولي صناع القرار في إيران اهتماماً متزايداً بالاستفادة من «دروس وعبر» العدوان الإسرائيلي الأخير. ويبدو أن هذا الجانب سيشكل نواة لاستراتيجية سياسية وعسكرية مستقبلية تهدف إلى معالجة أوجه القصور، خاصة الأمنية، التي كشفت عنها «حرب الـ12 يوماً»، وحسم الخيارات المتعلقة بالتعامل مع وقف النار «الملتبس» في الفترة المقبلة، بالتوازي مع الشعور الوطني العارم والتفاف الجماهير حول الحكومة.

مشهد وطني جامع

عكس الشعور الوطني الذي اجتاح الجمهورية الإسلامية بعد الهجوم الإسرائيلي، بيانٌ وقعه نحو 1300 شخصية نخبوية وعالم ومفكر من أهل السُّنّة في إيران، أكدوا فيه دعم خيار المقاومة ضد الكيان الإسرائيلي، باعتباره «واجباً شرعيّاً على كل مسلم ومسلمة». كما تجسد هذا الشعور في المشاركة الحاشدة لمئات الآلاف من الإيرانيين في مراسم التشييع المتلاحقة لكبار القادة والعلماء من شهداء «الاقتدار الوطني»، حيث حضر أكثر من مليون شخص في اليوم الأول من المراسم التي انطلقت في طهران السبت الماضي، ومن المقرر أن تستمر اليوم أيضاً، بتشييع جثماني الشهيدين، اللواء غلام علي رضا، قائد «مقرّ خاتم الأنبياء» المركزي، ونجله.

وفي إطار الثناء على هذا التلاحم الرسمي والشعبي، اعتبر رئيس «رابطة الثقافة والعلاقات الإسلامية» في إيران، حجة الإسلام محمد مهدي إیماني بور، أن مشاركة الشعب الإيراني في مراسم تشييع شهداء العدوان الصهيوني، تجسيد للوحدة والتماسك داخل البلاد. وأضاف أن دماء الشهداء ستتحول إلى شعلة تنير طريق الانتصارات المستدامة لإيران في مواجهة مؤامرات الأعداء.

من جانبه، رأى وزير الخارجية، عباس عراقجي، أن «الأمواج الهادرة» من المشيعين تحمل دلالة واضحة، وهي أن إيران، على النقيض من الكيان الصهيوني الضعيف والعاجز، لا تخفي خسائرها. وأكد أن إيران فخورة بشهدائها، وأنه مقابل كل ضابط أو عالم يُفقد، يصطف المئات ليحلوا محله. وفي منشور على منصة «إكس»، أكد عراقجي أن الشعب الإيراني أظهر قوته وصموده للعالم مرة أخرى، وأنه سيقف «حتى آخر قطرة دم» في وجه كل من يريد أن يقرر مصيره.

وفي إطار تقديره لتعاطف الشعب مع القيادة والحكومة، شدد الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، على أهمية إشراك الشعب في صنع القرار على مختلف الصعد، داعياً إلى تعزيز وحدة الخطاب في المنابر الرسمية والوطنية. وكشف بزشكيان عن خطة لتفعيل المدارس وتعليم الأطفال مفهوماً دقيقاً لحب الوطن حفاظاً على وحدة البلاد، معتبراً أن الشعب يجب أن يطمئن إلى أن الحكومة ملاذه الآمن.

تفنيد أدوات «الدعاية الغربية»

على صعيد موازٍ، ثمّن النائب الأول لرئيس الجمهورية، محمد رضا عارف، مواقف وسائل الإعلام المحسوبة على التيارات المعارضة للحكومة، خلال «المعركة ضدّ العدو من أجل الهوية الإيرانية والفخر الوطني»، مشيداً بدور الشعب الإيراني الذي لم يدخر جهداً في الدفاع عن وطنه. وأشار عارف إلى أن الأعداء اعتقدوا بأنهم سيشهدون انهياراً اجتماعياً وسقوطاً للنظام الإيراني بعد العدوان، من دون أن يفهموا أن احتجاج الشعب على الأخطاء والنقائص والثغرات داخل أسرة الثورة لتصحيحها، لا يدلّ على المواجهة مع النظام، معرباً عن اعتقاده بأن وقف إطلاق النار مع الكيان الصهيوني لا يعني نهاية الحرب.

وبالرسالة نفسها، أكد رئيس مجلس الشورى الإسلامي، محمد باقر قاليباف، أن المواقف المزدوجة للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بما فيها تلك التي تحاول الإيحاء بوجود خلافات أميركية – إسرائيلية، تندرج في خانة الخداع، منبهاً إلى مساعي أعداء إيران لإثارة الخوف في صفوف مواطنيها، وإرباك الحسابات لدى مسؤوليها، بوصفها «إحدى الركائز الأساسية للعمليات النفسية للعدو».

كما حذّر قاليباف من أن تغريدات ترامب الأخيرة، والتي زعم فيها أنه كان بصدد رفع العقوبات عن إيران، قبل أن يتراجع عن موقفه لاحقاً، تنطوي على مساعٍ أميركية لتحميل القيادة الإيرانية مسؤولية بقاء العقوبات، بخاصة في أوساط الشباب، لافتاً إلى أن أعداء الجمهورية الإسلامية ظنّوا أن بعض الأخطاء والعمليات النفسية على مدى السنوات، قد أثّرت سلباً على عقول وضمائر الإيرانيين، وخاصة شباب السبعينيات والثمانينيات، مؤكداً أن هؤلاء الشباب أفشلوا المخطّطات الرامية إلى «كسر وحدة الصف الإيراني في مواجهة العدو»، و»استكمال مخطط إثارة الفوضى» داخل البلاد.

وعلى وقع تقارير إعلامية عن تشديد طهران إجراءاتها الأمنية بحق المهاجرين غير الشرعيين بعد العدوان الأخير، مع ثبوت تورّط عدد كبير من العناصر الأجانب، وخصوصاً الأفغان، في التعامل مع الأجهزة الاستخبارية في كيان الاحتلال، وفي موازاة أنباء عن اعتقال عميل لـ»الموساد» – في محطة مترو الإمام الخميني – كان يُصنّع طائرات مُسيّرة في غرب العاصمة طهران، ويعدّ تقارير عن الأداء الدفاعي للبلاد ويرسل مواقع دقيقة لمناطق حسّاسة لحساب جهات معادية، شدّد المدعي العام الإيراني، محمد موحدي آزاد، على أنّه «يتعيّن على الأجانب، وخاصة إخواننا وأخواتنا الأفغان، الذين نستضيفهم منذ سنوات، مساعدة الأجانب غير الشرعيين على مغادرة إيران في أسرع وقت ممكن»، محذّراً من أن المخالفين سيعرّضون أنفسهم لإجراءات قانونية عقابية. وتابع: «على الأجانب الشرعيين أيضاً التعاون في تحديد هوية المتعاونين مع الكيان الصهيوني، ومن يُعرّفون عن أنفسهم طواعيةً سيكونون مؤهلين للحصول على عون قضائي». وأشاد المدّعي العام الإيراني بقدرة جميع الأجهزة الأمنية والعسكرية التي كانت في حالة تأهّب قصوى خلال الأشهر القليلة الماضية، على إحباط الكثير من خلايا العملاء، مؤكداً أن هذه الأجهزة لم تتفاجأ بأيّ شكل من الأشكال بمجريات العدوان الإسرائيلي الأخير، الذي كان يحضّر له منذ عام 2022، بحسب ما أفادت به وكالة «تسنيم» للأنباء.

أصوات «إصلاحية»

وفي خضمّ وضع ينذر بنيّة الغرب العمل على إسقاط النظام الإيراني من الداخل عبر «ثورات ملوّنة» تستحضر مخطّطات تقسيمية قديمة – جديدة، أقرب إلى نموذج «البلقنة»، خرجت بعض الصحف الإصلاحية بمواقف ناقدة لطريقة إدارة الصراع مع واشنطن وتل أبيب، ومنها صحيفة «اعتماد» التي قالت إن «الأزمة الأمنية في إيران تعود إلى تجاهل المتغيّرات العالمية الحديثة من قِبَل القائمين على الشأن الأمني والاستراتيجي في البلاد»، لافتة إلى أنّ «هذا التجاهل أدّى إلى ظهور مفاجآت تكتيكية من جانب إسرائيل والولايات المتحدة، حيث تمكّنت أجهزتهما الاستخبارية من بناء شبكات نفوذ داخل إيران». أما صحيفة «شرق»، فقد ذهبت إلى حد القول إن «المجتمع الإيراني، وعلى رغم مروره بتجارب قاسية من احتجاجات واضطرابات متتالية منذ عام 2009، كان بحاجة إلى صدمة للخروج من حالته العاطفية المسدودة»، مضيفة أن تجربة الحرب مع إسرائيل «أيقظت فيه حسّ الانتماء الوطني من جديد». وخلصت الصحيفة الإصلاحية إلى أن تلك الحرب «سجّلت فصلاً جديداً في النضج السياسي للمجتمع الإيراني، حيث أظهر الناس وعياً بأن تقرير مصير الوطن من حقّهم، وبأنهم هم من يحدّدون مستقبله، لا الدعاية الخارجية ولا الأيديولوجيات».

مشاركة المقال: