أثارت "خطة السلام" الأميركية المقترحة لغزة قلقاً في إيران بشأن أهدافها الغامضة، واحتلت الخطة اهتماماً إعلامياً واسعاً خلال الأيام الثلاثة الماضية، مع نظرة عامة سلبية وانتقادية.
ترى وسائل الإعلام الإيرانية أن خطة دونالد ترامب تهدف إلى نزع سلاح المقاومة ووضع قطاع غزة تحت وصاية دولية، بدلاً من أن تكون محاولة جادة لإنهاء الحرب ودعم سكان القطاع.
يعتبر الكثيرون الخطة بمثابة "صفقة قرن" أميركية جديدة، ظاهرها سلمي، وتحمل وعوداً بإعادة الإعمار ومساعدات اقتصادية، لكن هدفها الحقيقي هو تطبيق هندسة سياسية وتثبيت موقع إسرائيل في المنطقة، مما قد يعمق الأزمة ويؤسس لمستقبل غير مستقر.
وصفت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إرنا" الخطة بأنها "مليئة بالغموض والتناقض والدوافع السياسية"، مؤكدة أنه "بدون التزام جاد بدولة فلسطينية وضمان حقوق الشعب والتصرف المحايد، ستكون هذه الخطة أداة دعائية لترامب ومناورة سياسية لبنيامين نتنياهو، وستزيد من تعقيدات الأزمة في غزة".
كما وصفت صحيفة "كيهان" الخطة بأنها "محاولة لامتلاك غزة" ونزع سلاح "حماس" وفرض الوصاية على القطاع، معتبرة وجود شخصيات مثل توني بلير في الإدارة المستقبلية لغزة مثالاً على "إعادة إنتاج الاستعمار".
وفقاً لـ"كيهان"، يكتنف الغموض كيفية انتخاب/اختيار أعضاء لجنة إدارة القطاع، ودور السلطة الفلسطينية فيها، والجدول الزمني لانسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي، وحدود صلاحيات قوات المراقبة الدولية، مما يفتح الطريق أمام الهندسة السياسية وتثبيت الاحتلال.
يرى محمد علي صنوبري في صحيفة "همشهري" أن "خطة ترامب تقوم أساساً على نزع السلاح بالكامل ومنع أي مجموعة مقاومة من المشاركة في إدارة غزة، مما يحول المقاومة الفلسطينية إلى ملف أمني ويمكّن الكيان الصهيوني من القضاء على ما لم يتمكن من تدميره في ساحة المعركة عن طريق الاتفاق السياسي".
ويضيف أن الخطة تعد توطئة لضم غزة إلى الكيان الصهيوني واستكمال المشوار في الضفة الغربية، وتقصي الموضوعات المحورية مثل إنهاء الاحتلال وتحرير القدس ووقف الاستيطان ورفع الحصار وحق عودة اللاجئين، مما يعني تجزئة القضية الفلسطينية ومحاولة لإخماد جوهر المقاومة.
نقلت صحيفة "اعتماد" عن محلل الشؤون الدولية محمد علي قهرمانبور قوله إن خطة ترامب بشأن غزة هي جزء من "اتفاقات أبراهام" وسياسات الولايات المتحدة للمضي قدماً في عملية التطبيع.
ويرى قهرمانبور أن الخطة تنطوي على خطرين: اشتراط إعادة بناء غزة بنزع سلاح المقاومة، ومحاولات واشنطن توزيع الأدوار بين الحلفاء الإقليميين لتنفيذ الخطة، مما قد يفضي إلى تطبيع أوسع للدول العربية مع إسرائيل والتضحية بحقوق الفلسطينيين.
في مقال بعنوان "فخ ترامب لغزة" في صحيفة "جام جم"، يرى مهدي سيف تبريزي أن أحد أكثر أبعاد الخطة غموضاً هو إدارة غزة، التي ترتبط بأفكار توني بلير، الذي يعمل على مشاريع "ما بعد الحرب" في الشرق الأوسط، والذي اقترح تشكيل مؤسسة تشرف عليها الأمم المتحدة بقيادته المحتملة لإدارة غزة.
وترى الصحيفة أن الغموض في الخطة الأميركية متعمد، إذ إن ترامب ونتنياهو يريدان التمتع بالمرونة، لكن هذا يعني إرجاء أي سيادة حقيقية للفلسطينيين، وأن بلير، بماضيه المثير للجدل في حرب العراق، بات رمزاً للتدخل الغربي الذي دمر الشرق الأوسط.
في "فرهيختكان"، اعتبر مهدي طالب أن مشروع ترامب يحمل في الظاهر عنوان "وقف إطلاق النار"، لكنه يجسد فعلياً "إعادة هندسة سياسية" عبر بنود مثل نزع سلاح المقاومة وتسليم إدارة غزة إلى مؤسسة تخضع لأميركا وعدة دول غربية-عربية وتقييد دور "حماس".
ويرى أن الخطة تسعى إلى دحر المقاومة عن طريق الضغط الاقتصادي وحاجة الناس إلى إعادة الإعمار، وتعد استمراراً لـ"صفقة القرن" ومنطق التطبيع وإضفاء الشرعية على إسرائيل.