الأحد, 20 أبريل 2025 04:55 AM

استهانة بالدم السوري: عدالة غائبة وقيم تُهدَر

استهانة بالدم السوري: عدالة غائبة وقيم تُهدَر
أثارت مشاهد الفيديو التي انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي مؤخراً الكثير من الجدل، والتي أظهرت أحد الشخصيات البارزة المتورطة في مجزرة حي التضامن، وهو يستقبل أفراداً من معتقلي طائفته، يُفترض أنهم متهمون بانتهاكات وجرائم ضد بقية السوريين. أثارت هذه المشاهد تساؤلاً محورياً حول كيفية قبول شخصية موثقة جرائمها بالصوت والصورة بأن تكون في موقع يعبر عن السلم الأهلي، وإن كان هذا السلم حقيقياً أم مجرد وهم. تسلط هذه الأحداث الضوء على موضوع العدالة الانتقالية، التي تبدو وكأنها أُبعدت عن أجندات السلطات السورية الجديدة، على الرغم من تصريحات وزير العدل التي تدعي غير ذلك. تعمل السلطات الجديدة بشكل واضح على تعزيز سلطتها وترسيخ شرعيتها، محلياً ودولياً، دون اعتبار حقيقي للعدالة الانتقالية. وقد يُنظر إلى الاهتمام بهذا الملف على أنه استهداف لمكونات معينة، خصوصاً بعد الحوادث الأخيرة في الساحل السوري. ويبدو أن السلطات تسعى لاستبدال مفهوم العدالة الانتقالية بمفهوم السلم الأهلي، الذي يمثل الأولوية بالنسبة لها. لكن السلم الأهلي لا يمكن أن يكون ذا ضمان حقيقي ما لم يكن مدعوماً بالعدالة والمساءلة. هؤلاء الذين قُتلوا بدم بارد أو تم تعذيبهم وسحقهم، وكذلك عائلات الضحايا الذين لا يزالون ينتظرون معرفة مصير أحبائهم، يحتاجون إلى تحقيق العدالة كشرط أساسي لتحقيق المصالحة الوطنية. العدالة الانتقالية ليست مجرد رفاهية فكرية أو حقوقية، بل هي ضرورة قانونية ومجتمعية لتأسيس ثقافة المساءلة بدلاً من الإفلات من العقاب. هذه العدالة هي الأساس لبناء دولة القانون التي تحمي الجميع من استبداد أي سلطة، وهي الجسر الذي ينقل المجتمع السوري من التمزق إلى التماسك الوطني. الجريمة المستمرة ضد السوريين منذ أكثر من عقد لا يمكن تجاوزها بالكلمات فقط، بل تحتاج إلى محاسبة مرتكبي الجرائم والانتهاكات الكبرى، بغض النظر عن انتماءاتهم. ولن يكون للمصالحة الوطنية معنى أو أثر ما لم يتم تقديم العدالة وتعويض المتضررين، بحيث يعود الشعور بالأمان المجتمعي وتنتهي حقبة الفظائع. السلطة الحالية، بدلاً من العمل على تحقيق العدالة، تبدو وكأنها تفضل التغطية على الجرائم باستخدام شعارات "السلم الأهلي" التي تستند إلى طمس الحقائق والتغاضي عن معاناة الضحايا. وفي ظل هذه السياسات، يتم تهميش الآلام الكبيرة التي تركتها المجازر والانتهاكات، والتي لا يمكن نسيانها بسهولة، لتبقى مصدراً مستمراً للانقسام والتوتر. يجب أن تتذكر السلطات أن العدالة هي أساس أي سلام حقيقي ومستدام، وأنها ليست ضريبة تُدفع على حساب الأرواح والكرامة الإنسانية. كما أن أي محاولة لاستبدال العدالة بشعارات زائفة تعني الاستهانة بالقيم الإنسانية، وهو ما ينذر بمزيد من الانقسامات والانفجارات المجتمعية.
مشاركة المقال: