الخميس, 3 يوليو 2025 11:54 AM

الأمومة في زمن الإبادة: تجارب وقلق في ظل العدوان على غزة

الأمومة في زمن الإبادة: تجارب وقلق في ظل العدوان على غزة

لور شدراوي: حملت طفلي في أحشائي 280 يوماً عام 2014، في ذروة الحرب السورية وتصاعد المجازر التي يرتكبها النظام والمعارضة، ومشاهد الإعدام الوحشي التي ينفذها داعش. تزامنت هذه الفترة مع عدوان صهيوني آخر على غزة، حيث تعمدت إسرائيل ارتكاب أفظع المجازر بحق المدنيين.

تتذكر الكاتبة مشاهدتها للأخبار وتمنيها لو كان بإمكانها إبقاء الجنين في أحشائها لفترة أطول، خوفاً عليه من هذا العالم. كانت لا تزال تؤمن بجمال العالم رغم الظلم والوحشية، قبل أن تشهد على صمت العالم تجاه إبادة وتجويع وقتل الأطفال.

خلال حملها الأول، شعرت بخوف غير مبرر من فقدان الجنين، وكانت تستشير غوغل عن كل صغيرة وكبيرة. لم تكن تتخيل أن هذا الجنين سيصبح طفلاً بين يديها، بل شعرت أن الحمل مجرد مرض سينتهي. تساءلت عن شعور نساء غزة الحوامل اللاتي يواجهن فقدان الأجنة والأطفال يومياً، وكيف يتحمل العقل كل هذه القسوة.

تحدثت مع جنينها ووعدته بأن تجنبه بعض الصدمات النفسية التي مرت بها في طفولتها، وأن تعلمه قول "لا" للكبار. أطفال غزة يحلمون بالموت هرباً من رؤية أشلاء ذويهم.

زاد ميل الكاتبة للإفراط في التفكير من قلقها، وأعادت النظر في معتقداتها، مائلة إلى الاعتقاد بوجود روح في كل شيء في هذا الكون. كانت تحب زيارة الطبيب النسائي لرؤية جنينها عبر شاشة الموجات فوق الصوتية، معتبرة أن الواقع أكثر سحراً من الخيال، مستشهدة بفيلم «بوي هود» وحوار بين الأب (إيثان هوك) وابنه عن السحر في الكائنات الحقيقية.

أطفال غزة يحلمون بأكياس الطحين ويحملون أشلاء أشقائهم في أكياس الخضار، فقدوا السحر في عيونهم وأصبح الكابوس واقعاً يومياً. تربية الأطفال دفعت الكاتبة لإعادة النظر في النظم الاجتماعية، واكتشفت أن العديد منها مناف للمنطق عندما تحاول شرحها لطفل.

تتساءل الكاتبة عما إذا كانت تعد ولديها للنجاح في هذا العالم أم ليكونا صالحين، خاصة في عالم ما بعد تطبيع الإبادة. لا تؤمن بتقديس الأمومة أو الحب الغريزي، وشعرت بأنها ستكون أماً سيئة، لكنها توصلت إلى أن الإنجاز الحقيقي هو إعادة تربية أنفسنا.

تصف الكاتبة يوم الولادة الطويل وآلام المخاض، متسائلة عن كيفية ولادة نساء غزة بدون تخدير أو رعاية طبية. لم تكن الرضاعة طبيعية كما توقعت، بل عملية تقنية تحتاج إلى صبر، بينما نساء غزة محرومات من إرضاع أطفالهن بسبب الحصار.

تصف الكاتبة تجربتها مع اكتئاب ما بعد الولادة والأفكار اللاإرادية التي اجتاحتها، وكيف أنها قرأت عن كآبة ما بعد الولادة وشعرت بالذنب. لا وقت لهذه المشاعر في غزة، حيث يُقطع الأوكسيجين عن الأطفال الخدّج.

تعتمد الكاتبة على "نظرية التعلّق" في تربية أطفالها، رغم الانتقادات التي تسمعها. تعتبر هذه النظرية أن المجتمع الحديث يشجع الانفصال بدل خلق الروابط، وهو ما يخالف طبيعة البشر. المفارقة أن النظريات المسيئة للطفل مثالية للنظام الرأسمالي، الذي يسهل عودة الأم إلى العمل على حساب الطفل.

تنتقد الكاتبة تسخير الأبحاث الطبية لخدمة مصالح الشركات، وتذكر كيف روجت شركات حليب الأطفال للفورمولا على أنها أفضل من حليب الأم. بعد الإبادة، أصبحت ترى العلاج النفسي الغربي جزءاً من المشكلة، فهو يهدف إلى التخفيف من الشعور بالذنب لدى البيض.

تختم الكاتبة بالإشارة إلى أن هناك غشاوة أمام عيوننا تمنعنا من رؤية كيف أن رفاهية دول الشمال تتغذى على مآسي دول الجنوب. تدعو إلى مقاومة آلة العنف، وفاءً لدماء أطفال غزة، على أمل أن يكبر أطفالنا في عالم أكثر عدلاً وجمالاً.

أخبار سوريا الوطن١-الأخبار

مشاركة المقال: