الأربعاء, 5 نوفمبر 2025 05:30 PM

الإرهاب يزحف في الساحل الأفريقي: صراع على الذهب والنفوذ يهدد المنطقة

الإرهاب يزحف في الساحل الأفريقي: صراع على الذهب والنفوذ يهدد المنطقة

شبكة أخبار سوريا والعالم/ تتصاعد وتيرة الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي، مدفوعة بالبحث عن الذهب والنفوذ، مما يثير تساؤلات حول مستقبل المنطقة ومصير سكانها.

في مدينة سبها الليبية، المعروفة بـ«عروس الجنوب»، كشف جهاز الاستخبارات العامة في أغسطس (آب) الماضي عن تفكيك ثلاث شبكات إرهابية، ممتدة خيوطها من وإلى الساحل الأفريقي.

وقبل ذلك بخمسة أشهر، أعلنت السلطات الأمنية في غرب ليبيا عن ضبط «تنظيم إرهابي» آخر، وبثت «اعترافات» لأعضائه، زعموا فيها انتماءهم لحركة جهادية تُسمى «نصر»، وتحدثوا عن «مخططات لتجنيد الشباب، وتصنيع المسيّرات».

على طول الشريط الممتد لدول جنوب الصحراء الكبرى، تتصاعد وتيرة عمليات التنظيمات الإرهابية، ويرى عمر المهدي بشارة، أحد المتمردين التشاديين القدامى، أنها «تستهدف إخضاعها لحسابات قوى دولية؛ واستخدام سكانها الذين يعانون الفقر والتخلّف». ويتحدث بشارة، رئيس «جبهة الخلاص التشادية» (MSNT) إلى «الشرق الأوسط» عن أن «المستعمر القديم يشرف من بعيد على رسم خريطة جديدة للساحل والصحراء بالدم، وعينه على مكامن الثروة». وتمتد منطقة الساحل من المحيط الأطلسي إلى البحر الأحمر، وتضم شمال السنغال، وجنوب موريتانيا، ومالي، وجنوب الجزائر، والنيجر، وتشاد، وجنوب السودان، وإريتريا.

ووفقاً لـ«مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية»، تسببت العمليات المسلحة للتنظيمات الإرهابية في مقتل أكثر من 150 ألف شخص خلال العقد الماضي.

وبالإضافة إلى ذلك، تلجأ هذه الجماعات بشكل متزايد إلى التقنيات الحديثة، وتتوسع خارج حواضنها الريفية لتصل إلى المدن، حيث تستغل جهل المجتمعات الفقيرة وتوظف الذكاء الاصطناعي.

وسط التنافس على النفوذ والموارد، يعتمد «داعش» على ولايات غرب ووسط أفريقيا والصحراء الكبرى، بينما يتحرك «القاعدة» عبر تحالفات محلية مع «نصرة الإسلام والمسلمين» و«أنصار الدين». وينبه حمدي عبد الرحمن حسن، الخبير في الشؤون الأفريقية، إلى أن «كثيراً من هذه الجماعات المتعولمة اتخذت طابعاً محلياً؛ وأصبح هناك خلط بينهما».

ويشرح فارح والي من الصومال كيف تستغل حركة «الشباب» حاجة الناس للمال وكرههم للحكومة لتجنيدهم، بينما يوضح حمدي عبد الرحمن أن الحدود الرخوة وهشاشة الدولة والانقلابات المتتالية ساهمت في ازدياد نشاط التنظيمات الإرهابية.

ويشير تقرير صادر عن «فريق الرصد الأممي» إلى أن «القاعدة» تتبنى المظالم المحلية و«أقلمة سردياتها لتملّق المجتمعات المحلية». ويضيف الدكتور رمضان قرني أن التنظيمات استغلت دخول أطراف دولية إلى الساحل «في تعبئة الشعور المحلي لمواجهتها». ويرصد حمدي عبد الرحمن كيف أن «كتائب ماسينا» تستمد قوتها من «المظالم التاريخية» لعرقية الفولاني.

ويكشف محمدن أيب أن تصرفات «داعش» و«القاعدة» تعكس آيديولوجيات متباينة، فهي «خليط من السلفية الجهادية العالمية، والاستغلال المحلي للنزاعات العرقية والقبلية، ومصالح اقتصادية قائمة على التهريب والابتزاز».

ويربط محمدن أيب بين تحركات الجماعات الإرهابية في بعض المناطق وسعيها للاستحواذ على مناجم «الثروة الباطنية». ويقول إن جماعة «نصرة الإسلام والمسلمين» وتنظيم «داعش» (ولاية الساحل) «يحكمان قبضتيهما على هذه المنطقة الزاخرة بموردي الذهب واليورانيوم».

وتتبع التنظيمات الجهادية سبلاً عدة للتزود بالسلاح والمال، من بينها «السرقة والسطو». ويتحدث التقرير المقدّم من «فريق الرصد الأممي» إلى مجلس الأمن عن ازدياد لجوء «داعش» إلى عمليات الخطف بهدف الحصول على «فديات».

ويحذر حمدي عبد الرحمن حسن من «تطور خطير»، يتمثل في أن هذه الجماعات «تتهيأ للانطلاق من الساحل غرباً باتجاه المحيط، في محاولة للسيطرة على البحار؛ لإحياء ما يُعرف لديهم بـ(جهاد البحار)، لاستهداف خطوط الغاز.

ويشير تقرير لـ«مركز الدراسات الاستراتيجية الأفريقية» (ACSS) إلى أن «بوكو حرام» وفصيلها «ولاية غرب أفريقيا» مسؤولان عن نحو 66 في المائة من الوفيات العنيفة في نيجيريا عام 2024.

ويرصد حمدي عبد الرحمن كيف تحولت منطقة بحيرة تشاد إلى «ساحة اختبار لخلافة (داعش) الجديدة». ويقول إن «(داعش) يسيطر على مساحات واسعة من الأراضي الريفية في المنطقة الأكثر فقراً واكتظاظاً بالسكان في نيجيريا».

ويقول عمر المهدي بشارة، رئيس حركة «الخلاص الوطني» التشادية، إن نحو 70 في المائة من مساحة البحيرة «باتت خارج سيطرة هذه الدول».

وتؤكد سيما بحوث، المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، أن النساء والفتيات يتحملن العبء الأكبر، وأن هذه منطقة تُمحى فيها النساء بالكامل من الحياة العامة.

ويحذر حمدي عبد الرحمن من أن «موجات العنف الحالية ليست كسابقاتها، فقد طرأ تطور كبير على التكتيكات والقدرات». ويضيف أن «الإرهابيين تعلموا في بحيرة تشاد كيف يشنون هجمات ليلية باستخدام الطائرات المسيّرة والمناظير الليلية».

وحذر ليوناردو سيماو، رئيس مكتب المنطقة لغرب أفريقيا والساحل، أمام مجلس الأمن من «الاستخدام المتزايد للطائرات المسيّرة، وتقنيات الاتصالات المشفرة، والتعاون بين الجماعات الإرهابية وشبكات الجريمة المنظمة العابرة للحدود».

وتحدث «مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية» عن «تصاعد التعاون بين حركة (الشباب) في الصومال والحوثيين في اليمن»، محذراً من «تفاقم المخاطر على حركة الملاحة في البحر الأحمر، وخليج عدن، وغرب المحيط الهندي».

وأكد رامي شاهين، الخبير الدولي في تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، أن التنظيمات لم تعد مجرد ميليشيات مسلحة، «بل تحوّلت إلى شركات ناشئة للشّر تستثمر في أحدث التقنيات».

وحذر فلاديمير فورونكوف، رئيس مكتب مكافحة الإرهاب بالأمم المتحدة، من استخدام التنظيمات للتقنيات الجديدة والناشئة.

وكشفت التحريات في ليبيا عن أن الخلايا الإرهابية تلقت دعماً لوجستياً من تنظيمات في الساحل الأفريقي، وبعض الدول العربية المجاورة.

ويرى السنغالي عبد الله مار ديي، منسق الأمم المتحدة الخاص في منطقة الساحل، أن «تدمير ليبيا غذّى تحديات مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل».

ويرى الدكتور قرني أن طرد القوات الفرنسية من عدة دول في الساحل فتح الباب أمام تغوّل الإرهاب.

ويرى المنسق الخاص للأمم المتحدة في منطقة الساحل، ديي، أن هدف التنظيمات المتقاتلة لا يرتبط بالبعد الديني بقدر ما يسعى لتحقيق مكاسب اقتصادية.

ويشير معهد الدراسات الأمنية بجنوب أفريقيا إلى أن الجماعات الجهادية تفرض ضرائب على المنقبين، وتسيطر على طرق التهريب.

ويرى عمر المهدي بشارة أن «المستعمر الفرنسي لن يترك مستعمراته بهذه السهولة». ويوجّه بشارة اتهامات إلى فرنسا التي سبق أن أُخرجت قواتها من دول الساحل، قائلاً: «نعتقد أنها تحرّك أذرعها المتمثلة في الجماعات المتطرفة وعملاءها في المنظمات لزعزعة استقرار الدول التي طُردت منها بالأمس قواعدها العسكرية».

ويكشف المشهد في الساحل الأفريقي عن معادلة معقدة تتصاعد فيها العمليات الإرهابية مع تشابك النفوذ والتدخلات الدولية، فيما يظل الصراع على الموارد هدفاً محورياً تسعى التنظيمات المسلحة إلى السيطرة عليه.

مشاركة المقال: