الثلاثاء, 8 يوليو 2025 08:55 AM

الإسلام والمسيحية: نظرة في ضوء تفجير كنيسة مار الياس وتهديدات صافيتا

الإسلام والمسيحية: نظرة في ضوء تفجير كنيسة مار الياس وتهديدات صافيتا

بقلم: المحامي محمد عدنان عثمان

تثير جريمة التفجير التي استهدفت كنيسة مار الياس في دمشق، وما تبعها من توزيع مناشير تهديد في صافيتا، تساؤلات حول موقف الإسلام من المسيحية، وموقفه من الكنيسة وأهلها، وموقفه من الجرائم التي يتعرضون لها.

المسيحية من وجهة نظر الإسلام:

أولاً: بالنسبة للمسيح: يصفه القرآن الكريم بأنه "كلمة منه"، ويقول عنه: "وجيه في الدنيا والآخرة ومن المقربين"، ويقول أيضاً إنه: "يكلم الناس في المهد وكهلاً ومن الصالحين". ويقول كذلك في القرآن الكريم: "وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس"، في ثلاثة مواضع من القرآن الكريم.

ثانياً: بالنسبة للسيدة مريم أم المسيح: يذكر القرآن الكريم على لسان الملائكة قولهم: "يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين"، وهذا نص بالتطهير والاصطفاء خص به الله السيدة مريم على نساء العالمين جميعاً ودون استثناء. ويقول القرآن الكريم عنها أيضاً: "ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين".

يصف الإسلام في القرآن الكريم الإنجيل بأن فيه "هدى ونور". ويدعو المسيحيين إلى أن "يحكموا بما أنزل الله فيه" – أي في الإنجيل. وعندما يتحدث القرآن عن المسيحيين يصفهم بأنهم "أقرب مودة للذين آمنوا" (من المسلمين)، ويفسر ذلك بأن فيهم "قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون". وهو الوصف القرآني الدقيق لرجال الكنيسة.

استكمالاً لهذه التوصية القرآنية، جاء في الوثيقة النبوية إلى مسيحيي نجران التي صدرت عن النبي محمد عليه السلام، قوله عن المسيحيين في تلك الوثيقة: "ولهم إن احتاجوا في مرمة (ترميم أو بناء) بيعهم وصوامعهم أو شيء من مصالح أمورهم ودينهم إلى رفد (مساعدة) من المسلمين وتقوية لهم على مرمتها أن يرفدوا على ذلك ويعاونوا. ولا يكون ذلك ديناً عليهم، بل تقوية لهم على مصلحة دينهم ووفاء بعهد رسول الله وهبة لهم ومنة لله ورسوله عليهم".

وواضح من هذا النص النبوي الشريف دعوة رسول الله المسلمين إلى مساعدة المسيحيين على بناء أو ترميم كنائسهم، وليس الاعتداء عليها، كما حدث في دمشق!

ويذهب الإسلام إلى أبعد من ذلك. ففي الوثيقة النبوية التي أرسلت إلى دير سانت كاترين في سيناء والمكتوبة بيد سيدنا علي رضي الله عنه والمحفوظة في إسطنبول يقول رسول الله صلى الله عليهم وسلم في رسالته: "ووالله لأمنع كل ما لا يرضيهم. فلا إكراه عليهم ولا يزال قضاتهم من مناصبهم ولا رهبانهم من أديرتهم. لا يحق لأحد هدم دور عبادتهم، ولا الإضرار بها ولا أخذ شيء منه إلى بيوت المسلمين. فإذا صنع أحد غير ذلك فهو يفسد عهد الله ويعصي رسوله". "(وللحق إنهم في حلفي ولهم عهد عندي أن لا يجدوا ما يكرهون ..).

في ضوء هذه الخلفيات الدينية، صدر عن الأزهر الشريف في القاهرة (4 ديسمبر 2014) بيان يقول: "إن كل الفرق والجماعات المسلحة و"المليشيات" الطائفية التي استعملت العنف والإرهاب في وجه أبناء الأمة رافعة – زورًا وبهتانًا – رايات دينية، هي جماعات آثمة فكرًا وعاصية سلوكًا، وليست من الإسلام الصحيح في شيء، إن ترويع الآمنين، وقتل الأبرياء، والاعتداء على الأعراض والأموال، وانتهاك المقدسات الدينية – هي جرائم ضد الإنسانية يدينها الإسلام شكلاً وموضوعًا، وكذلك فإن استهداف الأوطان بالتقسيم والدول الوطنية بالتفتيت، يقدم للعالم صورة مشوهة كريهة من الإسلام. من أجل ذلك فإن هذه الجرائم لا تتعارض مع صحيح الدين فحسب، ولكنها تسيء إلى الدين الذي هو دين السلام والوحدة، ودين العدل والإحسان والأخوة الإنسانية."

وهنا لا بد أن نؤكد على أن المسلمين والمسيحيين في الشرق هم إخوة، ينتمون معًا إلى حضارة واحدة وأمة واحدة، عاشوا معًا على مدى قرون عديدة، وهم عازمون على مواصلة العيش معًا في دول وطنية سيدة حرة، تحقق المساواة بين المواطنين جميعًا، وتحترم الحريات. إن تعدد الأديان والمذاهب ليس ظاهرة طارئة في تاريخنا المشترك؛ فقد كان هذا التعدد وسيبقى مصدر غنى لنا وللعالم، ويشهد على ذلك التاريخ. إن علاقات المسلمين مع المسيحيين هي علاقات تاريخية، وتجربة عيش مشترك ومثمر، ومن هنا فإن التعرض للمسيحيين ولأهل الأديان والعقائد الأخرى باصطناع أسباب دينية هو خروج على صحيح الدين وتوجيهات النبي صلى الله عليه وسلم، وتنكر لحقوق الوطن والمواطن.

"إن انتهاك حقوق الجماعات المسيحية في ممارسة حرياتها الدينية وفي إعلاء رعاية شؤون كنائسها وأديرتها ومؤسساتها التعليمية والاجتماعية، هو انتهاك لحقوق الانسان، وانتهاك لحقوق المواطنة . وفوق ذلك هو انتهاك لتعاليم الاسلام الذي ترتكب هذه الانتهاكات باسمه."

"إن ثقافتنا الإيمانية تدعونا إلى نبذ الإكراه والى احترام حرية الضمير والى تقبل الاختلافات بين الناس على أنها تعبير عن الإرادة الإلهية.. فلله وحده سبحانه وتعالى، سلطة الحكم على ما في قلوب الناس وعلى ما كانوا فيه يختلفون."

في ضوء هذه النصوص الدينية الواضحة والمباشرة، تبدو جريمة الاعتداء على كنيسة مار الياس في دمشق ومناشير التهديد في صافيتا ليس اعتداءً على الكنيسة وأهلها فقط، بل هو اعتداء على الإسلام وأهله.

(اخبار سوريا الوطن 2-صفحة الكاتب)

مشاركة المقال: