الأربعاء, 9 يوليو 2025 08:30 PM

الذكاء الاصطناعي: كيف تحولت الخوارزميات إلى أداة حرب في خدمة الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية؟

الذكاء الاصطناعي: كيف تحولت الخوارزميات إلى أداة حرب في خدمة الهيمنة الأمريكية والإسرائيلية؟

عماد ياغي - في الماضي، كان مصطلح "الذكاء" يذكرنا بأمثال أينشتاين، أو بمباريات الشطرنج المعقدة، أو حتى بقطة تفتح الثلاجة. أما اليوم، فإن "الذكاء الاصطناعي" يثير صورة شيء أشد برودة: خوارزميات تحدد مصائر البشر، وأنظمة تحلل مشاعر الشعوب، وآلات تخطط للحروب بينما ننشغل بمقاطع الفيديو الترفيهية.

لم يأتِ الذكاء الاصطناعي لتحسين حياتنا فحسب، بل لتقصيرها في بعض الأحيان. وفي دول مثل أميركا والكيان الإسرائيلي، يسعى لتحويل منطقتنا إلى حقل تجارب. فماذا لو كانت الحروب القادمة تُحسم بتوصيات من أنظمة تحليلية، لا بدافع التوسع أو الغضب أو حتى النفط؟ ماذا لو أصبح قائد الحرب الحقيقي مجرد جهاز كمبيوتر في غرفة مكيفة، لا ينام ولا يشعر ولا يسأل عن ضحاياه؟

في الحروب القديمة، كان البشر يقتلون باسم الدين أو الوطن، أما في الحروب الحديثة، فالخوارزميات تقتل باسم الأمن القومي والتحليل التنبؤي. إنها حروب تطلق من مراكز تحكم في تل أبيب أو من خوادم عسكرية في فيرجينيا، حيث يتقرر الموت بلغة الأرقام والاحتمالات.

أميركا، التي تدعي حراسة الديمقراطية، هي أكبر منتج ومسوق لهذه الحروب المؤتمتة. مشروع MAVEN، الذي أطلقته وزارة الدفاع الأميركية، يهدف إلى استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل الصور الجوية وتحديد الأهداف البشرية في ساحات القتال، خاصة في الشرق الأوسط. وقد رفض مهندسون في "غوغل" العمل على هذا البرنامج بعد اكتشاف استخدامه في تصفية أشخاص عبر طائرات بدون طيار، مما يثبت أن الإنسان لم يعد ضرورياً لاتخاذ قرار القتل.

في غزة، وصل استخدام إسرائيل للذكاء الاصطناعي إلى مستوى مرعب من "الإدارة المؤتمتة للموت". كشفت تقارير عن نظام "حَبِلْ حَسُوم"، وهو نظام ذكاء اصطناعي طورته الاستخبارات الإسرائيلية لتحديد أهداف القصف الجوي. يعتمد هذا النظام على معلومات استخباراتية وصور ومكالمات، ويقدم توصيات بالقصف في دقائق، غالباً ما تُعتمد دون تحقق ميداني.

النتيجة هي مجازر تُبرر بالخوارزميات، وعائلات تُباد لأن "النظام" اعتبر أن أحد أفرادها مرتبط بفصيل فلسطيني مسلح. لا أحد يحاسب، لأن المسؤول الحقيقي ليس جندياً بل كود برمجي. مجازر تُحسم كما تُحسم مسألة في جدول "إكسل".

القصف الشامل لحي الرمال عام 2023 استند إلى "قرار خوارزمي" مبني على مؤشرات نشاط رقمي واتصالات. وموجة الاغتيالات المستهدفة في سوريا والعراق واليمن، التي نفذتها طائرات أميركية، اعتمدت على توصيات ذكاء اصطناعي يحلل نمط تحركات "المستهدف".

تمتلك الولايات المتحدة منصات حربية هجومية تعتمد على الذكاء الاصطناعي في كل شيء، من التقدير والاغتيال إلى السيطرة الإعلامية وتصنيف الشعوب. تعتمد تقارير الـ"سي أي أيه" على برامج "تحليل معنويات الشعوب" عبر وسائل التواصل، لتقرر متى يكون الوقت مناسباً لدعم انقلاب أو نشر فوضى ناعمة. إنها حرب بيانات تديرها واشنطن وتنفذها إسرائيل، بهدف كسر إرادة الخصوم دون أن يشعروا بالهجوم.

الخوارزميات تقرر أيضاً متى تُعقد المفاوضات ومتى تُجهض. توقف المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين مراراً لأن أجهزة التحليل في واشنطن وتل أبيب قالت إن "الظروف غير مناسبة للسلام"، بناءً على تحليل انفعالات في وجوه القادة أو ارتفاع نسبة الكلمات السلبية في خطاباتهم.

الذكاء الاصطناعي الأميركي والإسرائيلي لا يخدم الأمن، بل يخدم الهيمنة. إنه الوجه الجديد للاستعمار، الذي يأتي بالخوارزميات لا بالدبابات. يريد أن يفهم شعوبنا أكثر مما نفهم أنفسنا، وأن يتنبأ بثوراتنا قبل أن نثور، وأن يشخص أبناءنا كمتطرفين بناءً على كلمات في منشوراتهم.

ما تفعله أميركا وإسرائيل هو تحويل الذكاء الاصطناعي إلى آلة قتل صامتة تزرع الموت في الظلال. لكن رغم ذلك، ما يزال في الإنسان شيء لا تستطيع الآلة فهمه: الكرامة. الذكاء الاصطناعي قد يتوقع المظاهرات، لكنه لا يفهم غضب أم فقدت أطفالها. ولهذا، فإن المعركة ليست ضد الآلة فقط، بل ضد من يحركها من واشنطن وتل أبيب.

فلا سلام يُصنع على شاشة، ولا عدالة تخرج من خوارزمية. وكل ما يبنيه الذكاء الاصطناعي الأميركي-الإسرائيلي من سيناريوهات للهيمنة، قد ينهار في لحظة إنسانية واحدة… حين يتكلم القلب، لا الخوارزم.

* كاتب

أخبار سوريا الوطن١-الأخبار

مشاركة المقال: