عمر أبو غدة يحلل الضجة الإعلامية المثارة حول التجاوزات المزعومة في السويداء، محذرًا من الوقوع في فخ التلاعب بالرواية العامة.
في عالم اليوم، يعتبر التحكم في السردية العامة أمرًا حاسمًا لأي حركة سياسية تسعى إلى تحقيق تأثير دائم وشرعية. القدرة على تحديد الرواية، وتوضيح الأهداف، وتحديد المسؤوليات، تشكل قوة لا تقل أهمية عن السلطة الأمنية والعسكرية. وبدون هذا التحكم، تصبح الحركة عرضة للتضليل وحرف المسار.
التحكم في السردية يوفر إطارًا مشتركًا للفهم والمعنى للأعضاء والمتعاطفين، ويربط النضال اليومي بسياقات تاريخية وأخلاقية أوسع. وهذا لا يعني الدعاية بالمعنى التقليدي، بل يعني فرض صوت الحركة قبل أن يسبقها الآخرون إلى تعريفها، وتوضيح المظالم بدقة، وربطها برؤية أوسع، والتصدي المستمر للمعلومات المضللة.
في الحالة السورية، تتضاعف خطورة هذا الأمر، حيث تُشكّل قضية الأقليات نقطة الضعف الأكبر في البنية الوطنية. فقد كانت أحد أعمدة السرديات الاستعمارية التي بررت التدخل والاحتلال، ولا تزال إلى اليوم من الركائز الأساسية في سردية الكيان الصهيوني في الغرب.
بعد عقد من القتل الممنهج على يد نظام الأسد المجرم، شهدت سوريا عملية تحرير فريدة، حيث تحررت قرابة ثلثي البلاد. ومن المهم التذكير أن الإحصائيات ذات المصداقية حول الضحايا المدنيين منذ اندلاع الثورة تُظهر بوضوح أن هيئة تحرير الشام والفصائل الثورية عموماً كانت في أسفل قوائم المتسببين في قتل المدنيين.
التجاوزات الفردية لا يمكن تفاديها بالكامل، ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في استغلالها لتشويه المشروع برمّته. الخصوم لا يسعون لمحاسبة من ارتكب التجاوزات، بل يُخلطون عمدًا بين الخطأ الفردي والمنهج الجماعي، في محاولة لصياغة سردية قديمة ومألوفة في تاريخ بلاد الشام.
لماذا لا نسمع شيئًا عن تجاوزات بحق الإسماعيليين؟ إذا كانت الدولة الناشئة “داعشية” كما تدّعون، فلماذا تنعم مدينة السلمية بالأمان، خلافًا لما يحدث في جبال الساحل والسويداء؟ الجواب يكمن في القيادة الموحدة والحكيمة للإسماعيليين، بعكس ما رأينا من النخبة العلوية الفاسدة وغير المنظمة، أو من حكمت الهجري الذي يقامر بأرواح أتباعه من أجل مصالحه الضيقة.
الغريب والمخزي هو أن نرى بعض المنابر الرسمية تفتح المجال لهذه الرواية المشبوهة، وتمنحها شرعية إعلامية كان من الأولى أن تُعطى لأصوات تدعو للوحدة والمسؤولية. مواجهة هذه السرديات السامة لا تكون بالإعلام فقط، بل أيضًا عبر تقليل الأخطاء على الأرض. ولا شك أن وزارتي الداخلية والدفاع تبذلان جهدا كبيرا في هذا المجال.
من المقترحات المفيدة: إنشاء وحدات توثيق ميدانية متخصصة تتبع لوزارتي الداخلية والدفاع كتطوير لظاهرة الإعلام العسكري الثوري، تسهم في أرشفة العمليات العسكرية والأمنية بالصوت والصورة، وترفع التسجيلات لمكاتب مختصة لاستخدامها في التحقيقات الداخلية أو للنشر الإعلامي عند الحاجة.
رسالة إلى النخب الأقلوية الفاسدة: لعبتكم مكشوفة، ولن نسمح لكم بسرقة مكاسب ثورة قدّم شعبنا فيها الغالي والنفيس. ورسالة إلى أبناء سوريا من مختلف الطوائف: احذروا مَن يسعى لاستخدامكم أدوات لمصالحه الضيقة! فقد أثبت التاريخ مرارا أن مستقبلكم مع أبناء وطنكم! لا مع محتلّ أجنبي!