الأحد, 23 نوفمبر 2025 04:42 PM

الصحافة النقدية: أداة للمساءلة أم نفق للرأي؟

الصحافة النقدية: أداة للمساءلة أم نفق للرأي؟

يشير علي عيد إلى أن الصحافة النقدية ليست مدرسة أو مذهبًا محددًا، بل هي سلوك مهني بالغ الأهمية والحساسية يتطلب وعيًا وإلمامًا وعدالة. إنها تشبه عمل الطبيب الذي لا يكتفي بالنظر إلى المريض لتشخيص حالته، بل يلجأ إلى التحاليل والاختبارات، مع الحفاظ على الشك كأداة للوصول إلى قرار سليم.

تعتبر الصحافة النقدية أن أي رواية صادرة عن مصدر حكومي أو سلطة أو مؤسسة ما هي إلا رواية غير نهائية، وليست الحقيقة المطلقة، وهذا هو جوهر سعيها لتقديم معلومات أكثر فائدة وأقرب إلى الواقع. إنها أداة حيوية لمنع الانزلاق في المغالطات والروايات التي تضر بالمصلحة العامة، مع التأكيد على الصحافة المسؤولة والمهتمة بالشأن العام.

يضرب عيد مثالًا بتحقيق صحفي حول سوق السيارات المستعملة في سوريا، فإذا اقتصر التحقيق على شرح المشكلة ونقل ردود المسؤولين ووعودهم، فإنه يندرج في إطار صحافة "الريكوردر" (آلة التسجيل). أما إذا تعمق التحقيق في فحص القرارات وتحديد الموردين وشبكات المصالح والنفوذ، وطرح أسئلة جوهرية مثل "من يستفيد من إغراق البلاد بالخردة؟"، فإنه يدخل في صميم الصحافة النقدية، التي تبحث في الفساد المحتمل وتفكك المنظومة التي قد تسمح به، مثل تضارب المصالح وشبكات الانتفاع وحجم الضرر غير المرئي.

يجب على الصحفي أن يمارس محاكاة عقلية قبل الكتابة، وأن يتبنى الشك المنهجي دون الانزلاق نحو السخرية أو العدمية بسبب موقف مسبق أو مغالطة يبحث عنها عاطفيًا. هناك معايير أخلاقية ومهنية يجب الالتزام بها، من بينها:

  • التدقيق في المصادر والروايات: معاملة كل معلومة كفرضية تحتاج إلى إثبات، والتحقق من مصالح المصادر قبل تصديقها.
  • التوازن: الحفاظ على مسافة بين الصحفي ومصادر الحدث وأطرافه، والسعي إلى إيصال الحقيقة بدلًا من كتابة نصوص عاطفية.
  • شرح السياق: ربط القضية بتاريخها وبيئتها لتقديم صورة كاملة للقارئ.
  • تعدد المصادر: الاعتماد على مصادر متعددة لتكوين صورة شاملة للحدث.
  • فحص الأدلة: الاسترشاد بالأدلة، مثل الوثائق والعقود والبيانات والأرشيف وسجلات الشركات والشهود.
  • الشفافية مع الجمهور: شرح طريقة معالجة القصة وتوثيقها لتجنب الغموض وإعطاء فرصة للمضللين.

بالإضافة إلى ذلك، يجب على الصحفي الالتزام بكل المعايير المهنية والأخلاقية ومدونة السلوك التي تتبناها الصحافة المسؤولة.

يحذر عيد من أن اعتبار الصحافة النقدية مجرد اعتراض أو معلومات تناقض روايات السلطة أو المؤسسات أو الأحزاب والمنظمات هو استدراج للجمهور نحو الشك، مما يضعف قدرة الصحافة على التأثير. لذلك، يجب على الصحفي تجنب النقد الوهمي أو العاطفي، وعدم اختيار مصادر تدعم رأيه فقط، وعدم التعامل مع الوقائع كمسلمات، وعدم إسقاط توجهه العاطفي في المحتوى، وعدم الخلط بين النقد والتحريض.

إن التورط في هذه الممارسات يؤدي إلى انهيار الثقة مع الجمهور وإدخال العمل الصحفي في نفق رأي، وتسييس الحقيقة، وضياع دور الصحافة كأداة مساءلة ومراقبة.

يشير عيد إلى انتشار صحافة الفرد عبر "يوتيوب" ومنصات التواصل الاجتماعي، حيث يقدم البعض روايات مدعومة بمصادر منحازة عاطفيًا، مما يخلق حالة من التشتت والانقسام المجتمعي، وهو أمر ملحوظ في سوريا في المرحلة الراهنة.

يختتم عيد بالتأكيد على أنه ليس مطلوبًا من الصحفي أن يكون بلا رأي، ويمكنه إبداء رأيه في المكان المناسب غير الصحافة النقدية والخبر والتحقيق.

مشاركة المقال: