الأربعاء, 4 يونيو 2025 09:20 AM

الفستق الحلبي في حماة: من رمز للاقتصاد إلى ضحية الحرب والجفاف.. جهود لإنقاذه

الفستق الحلبي في حماة: من رمز للاقتصاد إلى ضحية الحرب والجفاف.. جهود لإنقاذه

بين القصف العشوائي والتجريف المنهجي، تحولت بساتين الفستق الحلبي في ريف حماة الشمالي من موارد طبيعية مستدامة إلى ضحية بيئية بامتياز. آلاف الأشجار قُطعت وحُرقت عمدًا، ومساحات شاسعة جُرفت تحت غطاء “مشاريع أمنية”، في تدمير ممنهج لم يكتفِ بتخريب الاقتصاد السوري، بل استهدف الثروة الزراعية للأجيال القادمة.

انهيار كبير في هذا القطاع

يُعد الفستق الحلبي أحد أبرز المحاصيل الزراعية التي تميز بها الاقتصاد السوري، ويحتل مكانة خاصة في الذاكرة الوطنية كمصدر للرزق ورمز للصمود، خاصة في مناطق ريف حماة الشمالي، حيث كانت بساتينه تمتد على مساحات شاسعة وتوفر دخلاً مستمرًا لآلاف العائلات. لكن السنوات الماضية، وخاصة منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، شهدت انهيارًا كبيرًا في هذا القطاع، الذي كان يُصنف ضمن أهم الصادرات الزراعية السورية.

مستقبل يهدد زراعة الفستق

وقال أحمد ياسين، من أهالي كفر زيتا بريف حماة، في حديث لمنصة : “تعاني أراضي زراعة الفستق الحلبي في ريف حماة منذ عام 2019، إثر حرق قوات النظام لمساحات واسعة من الأراضي الزراعية، وبعد تحرير المنطقة عاد المزارعون ليجدوا أراضيهم محروقة ومليئة بالمشاكل”. وتابع: “من أبرز التحديات التي تواجههم اليوم: الجفاف وقلة الأمطار، وانتشار آفة (الكابنوديس) التي تأكل جذور الأشجار ولا تزال غير مسيطر عليها، إلى جانب ارتفاع تكاليف الحراسة والتقليم، وضعف الموسم بسبب الظروف المناخية وقلة الدعم، ما يجعل مستقبل زراعة الفستق مهددًا”.

الفستق الحلبي ضحية الحروب والانتهاكات

وأوضح رئيس مجلس مدينة كفر زيتا، عبد الناصر حوشان، في حديث لمنصة ، أن “الفستق الحلبي كان دائمًا من أهم مصادر الدخل الزراعي في المنطقة، وهو يمثل عنصرًا أساسيًا في الاقتصاد المحلي، حيث يعتمد عليه الفلاحون بشكل رئيس في استقرار حياتهم المعيشية”. وأضاف: “لكن للأسف، تعرضت أشجار الفستق خلال سنوات الحرب إلى دمار هائل، بدءًا من القصف العشوائي والغارات الجوية التي طالت المناطق الزراعية، ما أدى إلى تدمير الأراضي والبساتين، وأحيانًا قتل السكان أو تهجيرهم، ولم يُبقِ القصف إلا القليل مما كان موجودًا قبل الحرب”. وتابع: “وبعد عام 2019، بدأت سياسة منهجية جديدة من قبل النظام وميليشياته المعروفة بالشبيحة، والتي عُرفت باسم (الدفاع الوطني) و(قوات القضم). هذه المجموعات استباحت الأراضي الزراعية، وفرضت ما يُعرف بالمشاريع الأمنية تحت مسمى صندوق دعم الجيش، حيث تم نهب إيرادات محصول الفستق والزيتون من أصحابها الشرعيين، ثم تحويلها لتمويل عمليات تلك الميليشيات”. ولفت إلى أن “الوضع بلغ حدًّا خطيرًا، حيث تم تنظيم مزادات لبيع بعض هذه الأراضي أو الاستيلاء عليها عبر خلطات أمنية، وبعضها سُجل باسم جهات تابعة للنظام، وفي الوقت نفسه، ضُيّق الخناق على المزارعين الذين لا يزالون في مناطقهم، ومُنعوا من زراعة أو جني محصول الفستق، مما تسبب في انهيار الإنتاج وتراجع عدد الأشجار القائمة”. وأكد حوشان أن “ما حدث كان بمثابة كارثة زراعية بيئية، إذ قُطعت وحُرقت العديد من الأشجار، ونُهبت الآلات الزراعية، وجُرفت البساتين، ما أدى إلى تدهور القطاع بشكل لم يعد بالإمكان تعويضه بسهولة، وحتى الآن، فإن إعادة تأهيل هذه البساتين تتطلب سنوات طويلة من العمل والمتابعة”.

الواقع الحالي والتحديات الكبيرة

من جانبه، قدّم المهندس عادل هواش، مدير دائرة الفستق الحلبي في حماة، في حديث لمنصة، صورة شاملة عن واقع المحصول اليوم، مشيرًا إلى أن “سوريا تحتل المركز الثالث عالميًا في إنتاج الفستق الحلبي، حيث تبلغ المساحة الكلية المزروعة بأشجار الفستق حوالي 60,580 هكتارًا، منها نحو 90% في مرحلة الإثمار، أي ما يقارب 9.7 مليون شجرة”. ولفت إلى أن “الإنتاج التقديري لموسم 2024 بلغ ما بين 70 إلى 80 ألف طن، وهو رقم لا يزال يعكس قدرة هذا القطاع على الصمود رغم كل الظروف، بينما بلغت الكميات المصدرة بين 1 تموز/يوليو 2024 و1 حزيران/يونيو 2025 ما يلي: * الفستق الأخضر: 2,077,532 كغ. * الفستق بقشره: 263,776 كغ. * قلب الفستق: 2,207,792 كغ. ومع ذلك، أكد هواش أن “الواقع الحالي يختلف كثيرًا عن الماضي، حيث تأثرت الأشجار بالتغير المناخي وازدياد فترات الجفاف، إضافة إلى الهجرة المنظمة للمزارعين من مناطقهم نتيجة الحرب والانتهاكات. كما أدت عمليات قطع وحرق الأشجار، وتطبيق قوانين استثمارية جائرة، إلى تدهور حالة البساتين بشكل كبير”. وأشار إلى أن “انتشار الأمراض والآفات الزراعية أصبح من أبرز التحديات التي تواجه هذا القطاع، وخاصة حشرة (الكابنوديس) العنيدة، التي قضت على مساحات كبيرة من البساتين، خصوصًا في ريفي حماة وإدلب”.

التحديات المستقبلية وإمكانية التعافي

وعلى الرغم من التراجع الكبير، هناك بصيص أمل في إعادة تأهيل هذا القطاع الحيوي، إذا توفرت الإرادة والدعم الحقيقي، سواء من الداخل أو عبر المنظمات الدولية المتخصصة. في المقابل، فإن إعادة تشجير البساتين المدمرة تتطلب برامج مدروسة وتمويلاً مناسبًا، بالإضافة إلى توفير الحماية القانونية والأمنية للمزارعين، حتى يعودوا إلى أرضهم ويتمكنوا من العناية بأشجارهم دون خوف أو قمع. وقد تكون “الزراعة الذكية” واستخدام تقنيات الري الحديثة، هي الطريق الأمثل للتكيف مع التغير المناخي والحد من تأثير الجفاف المستمر. ويبقى الفستق الحلبي رمزًا للصمود السوري، ومصدرًا للرزق لكثير من العائلات، لكنه يحتاج اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى دعم حقيقي من الجهات المحلية والدولية لإعادة تأهيل البساتين، وحماية ما تبقى منها، ومواجهة التحديات البيئية والسياسية التي تهدد وجوده.

مشاركة المقال: