أخبار سوريا والعالم/ كتبت رنى سعرتي في "نداء الوطن": بدأت تلوح في الأفق مؤشرات تدل على تراجع دور بيروت كمركز اقتصادي وتجاري حيوي في المنطقة، وخاصةً الدور الذي يلعبه مرفأ بيروت. يأتي هذا التراجع في ظل استعداد المرافئ السورية للعب دور إقليمي بارز، وهو ما قد يؤثر سلبًا على الوظيفة التي لطالما تميز بها مرفأ العاصمة.
في الوقت الذي فُتحت فيه الأبواب أمام سوريا من مختلف الجوانب، لا يزال لبنان يواجه تحديات كبيرة، على الرغم من أنه كان من المفترض أن يسبق سوريا في تحقيق الازدهار والنمو، واقتناص الفرص الدولية والإقليمية. فبعد سلسلة الاتفاقيات الاقتصادية التي أبرمتها شركات ودول مع سوريا، وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أمس، أمرًا تنفيذيًا ينهي الإطار القانوني للعقوبات الأميركية المفروضة على سوريا، ويمنحها "فرصة شاملة لإعادة تشغيل الاقتصاد السوري"، وفقًا لما صرح به المبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، توم برّاك. وسوف يلغي القرار، الذي يدخل حيز التنفيذ اليوم، إعلان حالة الطوارئ الوطنية بشأن سوريا الصادر عام 2004، بالإضافة إلى إلغاء خمسة أوامر تنفيذية أخرى كانت تشكل الأساس لبرنامج العقوبات، وتوجيه الوكالات الأميركية المختصة لاتخاذ إجراءات بشأن الإعفاءات، وضوابط التصدير، والقيود الأخرى المتعلقة بسوريا.
صرح وزير الخارجية والمغتربين يوسف رجي بأن رفع العقوبات عن سوريا سيساعدها ويسرع عملية إعادة إعمارها، وسيؤدي إلى ازدهار البلاد. وأشار إلى أن "إعادة الإعمار ستتجاوز الحدود السورية لتنعكس على لبنان بشكل إيجابي. بيروت ستستفيد بشكل غير مباشر من هذه التطورات"، لافتًا إلى أن "تحسن الأوضاع الاقتصادية في سوريا سيقود إلى انخفاض أعمال التهريب على الحدود مع لبنان".
وفي هذا السياق، أوضح الخبير الاقتصادي بيار الخوري أن لبنان يقف اليوم على مفترق طرق اقتصادي وسياسي حاسم. وأشار إلى أن التطورات الأخيرة في سوريا، خاصة بعد سقوط نظام الأسد وصعود أحمد الشرع إلى الحكم، فتحت نافذة جديدة من الفرص والتحديات أمام بيروت. وأضاف أن "الرئيس ترامب كان واضحًا في بيانه الذي رافق قرار رفع العقوبات، حيث اشترط أن يقترن أي انفتاح اقتصادي تجاه سوريا بضمانات حقيقية لوقف العنف من جانب الدولة المركزية في دمشق، وتأمين بيئة آمنة للاستثمار وعودة النازحين. وحتى اللحظة، تبدو الحكومة السورية الجديدة وكأنها ما زالت في بداية طريق طويل لتحقيق هذا الهدف".
وأكد الخوري أنه على مستوى البنية التحتية، لا مجال للمقارنة بين ما هو متاح اليوم في لبنان وما هو موجود في سوريا، "فبيروت وجبل لبنان ما زالا يمتلكان بنية تحتية مؤسسية وتشغيلية قابلة لإعادة التفعيل بسرعة نسبية، على الرغم من الأزمة الاقتصادية والمالية الخانقة التي تمر بها البلاد". لافتًا إلى أن المرافئ، المطارات، المناطق الصناعية، شبكات الاتصالات، وحتى بعض المؤسسات المصرفية، كلها لا تزال قائمة وتحتاج فقط إلى إصلاحات إدارية ومالية وهيكلية لتعود إلى العمل بكفاءة. وبالتالي، فإن هذا الامتياز الجغرافي والبنيوي يمكن أن يجعل من لبنان نقطة جذب طبيعية لأي شركات دولية ترغب في الدخول إلى السوق السورية لاحقًا ولكن تخشى المخاطر الأمنية واللوجستية هناك.
أما سوريا، فرغم الانفتاح السياسي النسبي، يرى الخوري أنها تعاني من غياب شبه كامل للبنية التحتية. ولا تزال المدن الرئيسية مثل دمشق، حلب، حمص، وحماة تحت وطأة الدمار. كما أن شبكات الطرق، الكهرباء، المياه، والخدمات الأساسية بحاجة إلى إعادة بناء من الصفر تقريبًا. هذا الواقع يجعل من الاستثمار المباشر داخل سوريا مخاطرة كبيرة في المرحلة الأولى، خاصة في ظل استمرار المخاوف من انفلات أمني محتمل أو عودة أعمال العنف، وهي المخاوف التي دفعت واشنطن أساسًا إلى فرض سلسلة من الشروط على حكومة الشرع.
لهذا السبب، يرجح الخوري أن يلجأ العديد من الشركات الدولية والإقليمية إلى استخدام بيروت كمحطة انطلاق لعملياتها المرتبطة بإعادة الإعمار في سوريا. موضحًا أن المطارات اللبنانية، الموانئ، الشركات اللوجستية، ومكاتب الدراسات الهندسية اللبنانية قد تلعب دور الوسيط بين المستثمرين الخارجيين والسوق السورية.
لكنه حذر من أن هذه الفرصة لن تستمر إلى الأبد لأن لبنان يحتاج إلى تحرك سريع وحازم لإجراء إصلاحات اقتصادية، إصلاح القضاء، ضبط الوضعين المالي والأمني، وإعادة الثقة بالقطاع المصرفي. "فالعالم لن ينتظر، وإذا تأخرت بيروت عن اللحاق بموجة التعافي السوري، قد تجد نفسها متجاوزة من قبل مراكز بديلة في المنطقة مثل الأردن، قبرص أو حتى تركيا".