الأحد, 27 يوليو 2025 05:48 PM

المغرب وسوريا تعيدان العلاقات: دمشق تغلق مكاتب "البوليساريو" كبادرة حسن نية

المغرب وسوريا تعيدان العلاقات: دمشق تغلق مكاتب "البوليساريو" كبادرة حسن نية

في ظل الانفتاح السياسي الذي تشهده سوريا، تسعى حكومة الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية، أحمد الشرع، إلى استئناف العلاقات مع الدول، وخاصة العربية. وفي خطوة بارزة، أعادت المملكة المغربية فتح سفارتها في دمشق في 9 تموز، بعد إغلاق دام 13 عامًا، وذلك عقب إعلان وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، في 17 أيار الماضي، عن إعادة افتتاح السفارة، معربًا عن أمله في تعزيز العلاقات "الأخوية والثنائية" بين البلدين.

تموضع استراتيجي من الطرفين

عكست المحادثات السورية-المغربية رغبة الطرفين في استئناف العلاقات الدبلوماسية، بينما رأت الأوساط السياسية أن لكل جانب مصالح سياسية تبرر هذا التقارب. وأوضح الباحث في الشؤون العربية والإفريقية، علي فوزي، أن إعادة افتتاح السفارة المغربية في دمشق يمثل إعادة تموضع استراتيجي من الطرفين في ضوء التحولات الإقليمية المتسارعة. ويرى أن الرباط تسعى من خلال هذه الخطوة إلى تعزيز حضورها السياسي والاقتصادي في المشرق العربي، وتوسيع هامش المناورة في علاقاتها مع دول كانت أقرب تقليديًا إلى المحور الإيراني-الجزائري، بالإضافة إلى فتح قنوات استثمارية في سوريا، خاصة في مجالات إعادة الإعمار والسياحة والعقارات.

في المقابل، تهدف سوريا إلى كسر عزلتها الإقليمية والدولية، واستقطاب رؤوس الأموال الخليجية والمغاربية، وتقديم نفسها كطرف سياسي مرن قادر على إعادة ترتيب تحالفاته بما يخدم عملية التعافي بعد سقوط النظام السابق، وصعود سلطة جديدة تتسم ببراغماتية أكبر.

سوريا تهدف في علاقتها مع المغرب لكسر عزلتها الإقليمية، وتقديم نفسها كطرف سياسي مرن، أما الرباط فتسعى لتعزيز حضورها في المشرق العربي، وتوسيع هامش المناورة في علاقاتها مع دول كانت أقرب للمحور الإيراني- الجزائري.

علي فوزي باحث في الشؤون العربية والإفريقية

حاجة سوريا لحاضنتها العربية

أشار المحلل السياسي حسن النيفي إلى أن دول المغرب العربي اتخذت موقفًا حذرًا بعد سقوط نظام الأسد، بسبب ما وصفه بـ"البروباغندا" التي أنشأها النظام السابق، والتي صورت المعارضة على أنها "متطرفة". وأضاف أن المملكة المغربية تجاوزت هذا الحذر وفتحت سفارتها دون علاقات مباشرة. وأكد النيفي على أهمية تأسيس علاقات جيدة بين سوريا ودول المحيط الإقليمي والعربي والعالمي، مشددًا على حاجة سوريا الملحة لحاضنتها العربية.

مبادرة واضحة الملامح

أكدت السلطات السورية إغلاق المقار التي كان يشغلها انفصاليو "البوليساريو" في دمشق، بحضور ممثلين عن المغرب، في 27 أيار الماضي. واعتبرت المملكة المغربية هذه الخطوة التزامًا من سوريا باحترام السيادة الوطنية والوحدة الترابية للمملكة. ويرجح الباحث علي فوزي أن القرار السوري بإغلاق مكاتب جبهة "البوليساريو" يعد رسالة سياسية واضحة موجهة إلى الجزائر، مفادها أن دمشق لا ترغب في أن تكون منصة لصراعات الوكالة أو الحسابات الأيديولوجية القديمة. ويرى أن هذا التغيير يعكس مراجعة سوريا لموقفها التقليدي من قضية الصحراء الغربية، ما يمنح المغرب دعمًا جديدًا في المحافل الإقليمية والدولية.

ويرى المحلل السياسي حسن النيفي أن علاقة البلدين بحاجة لما يدفع بها للأمام، فبادرت حكومة دمشق بإغلاق مكاتب "البوليساريو"، التي تعتبر جبهة انفصالية في المغرب كان يدعمها النظام السابق، وهذه المبادرة كان لها انعكاس إيجابي، وهي رسالة واضحة الملامح إلى المغرب بأن الحكومة السورية ترغب بإقامة علاقة متبادلة، على أساس المصالح المتبادلة ومصالح أمن البلدين.

حكومة دمشق بادرت بإغلاق مكاتب "البوليساريو"، لدفع علاقاتها مع المغرب إلى الأمام، وهي رسالة واضحة الملامح بأن سوريا ترغب بإقامة علاقة متبادلة بين البلدين.

حسن النيفي محلل سياسي

تأسست جبهة "البوليساريو" عام 1973، وتعتبر نفسها ممثلة للصحراويين الذين يعيشون في منطقة الصحراء الغربية. ويعود الصراع على الصحراء بين المغرب وجبهة "البوليساريو" إلى فترة ما بعد الاحتلال الإسباني، وتحديدًا في عام 1975، وتحول هذا الصراع إلى شكل مسلح توقف بتوقيع قرار وقف إطلاق النار في عام 1991، بناء على اقتراحات الأمين العام المقدمة للأمم المتحدة عام 1988. وفي أيلول من عام 1991، حددت الأمم المتحدة منطقة الكرارات (منطقة جغرافية صغيرة في الصحراء الغربية المتنازع عليها، تقع على بعد 11 كيلومترًا من الحدود مع موريتانيا، وخمسة كيلومترات من المحيط الأطلسي، وتقع تحت سيطرة المغرب) كمنطقة عازلة فاصلة بين "البوليساريو" والقوات المغربية.

سوريا وباقي دول المغرب

بالمقابل، ما زالت دول المغرب العربي الأخرى كالجزائر وليبيا تتمهل بإعادة العلاقات السياسية مع سوريا، رغم تبادل اللقاءات والرسائل. ولم تشهد العلاقة بين سوريا وتونس أي تحرك منذ سقوط النظام، خاصة أنها كانت مقربة منه وداعمة له. وأوضح المحلل السياسي حسن النيفي أن تونس ربما لها وضع خاص في العلاقة مع سوريا، لأنها شهدت ثورة مضادة، والقوى التي تصدرت المشهد في الثورة تقهقرت وحلت محلها قوى أخرى تنتهج "نهجًا استبداديًا" يسيطر على السلطة، وبالتأكيد لها موقف من بقية الثورات وخاصة سوريا. وتوقع أن تكون لتونس علاقات في المستقبل مع سوريا.

ويرى الباحث علي فوزي أن التقارب السوري-المغربي كشف تباينًا واضحًا في مواقف دول المغرب العربي من دمشق، فالجزائر لا تزال متمسكة بدعمها التقليدي لـ"البوليساريو"، ما يجعلها في مسار تصادمي مع الاتجاه السوري الجديد. أما ليبيا فهي غائبة عن التفاعل الموحد في ظل الانقسام السياسي الحاد، بينما تلتزم تونس الصمت. وتوقع أن ما يجري بين الرباط ودمشق يشكل لحظة مفصلية في إعادة تشكيل خريطة التحالفات الإقليمية في العالم العربي.

خلفية العلاقات بين سوريا والمغرب

توقفت العلاقات بشكل نهائي بين النظام السابق والمغرب منذ تموز عام 2012، حين تبادل الطرفان طرد السفراء، وعللت الخارجية المغربية حينها هذه الخطوة بفشل الجهود التي بذلتها للتسوية في سوريا، بينما جاءت خطوة النظام السوري السابق على مبدأ "المعاملة بالمثل". وقبل عام 2012، شاب التوتر العلاقات بين المغرب والنظام السابق بسبب دعم الأخير لجبهة "البوليساريو".

مشاركة المقال: