الثلاثاء, 26 أغسطس 2025 10:40 PM

الناجون من سجون الأسد: معاناة مستمرة بين صعوبة التأقلم والمطالبة بالعدالة

الناجون من سجون الأسد: معاناة مستمرة بين صعوبة التأقلم والمطالبة بالعدالة

"لو أمكنكم أن تعيدوني إلى زنزانتي في المعتقل حتى لو كنت وحدي، فالتأقلم مع حياة الناس مرة أخرى أمر صعب، ولا أجد من ينصفني". بهذه الكلمات المؤثرة، وصفت ميساء الحسن (32 عاماً) من ريف إدلب، وهي ناجية حديثاً من سجون الأسد، الأسابيع الأولى التي أعقبت خروجها من سجن عدرا في كانون الأول/ديسمبر 2014، بعد سقوط نظام الأسد ودخول قوات المعارضة إلى دمشق. شعرت ميساء بضياع وانفصال عن الواقع، حتى أنها تمنت العودة إلى زنزانتها التي ألفتها قسراً. لكن حياتها بدأت تتغير تدريجياً لاحقاً.

صعوبة التأقلم بعد تجربة السجن

يمثل تأقلم الناجين من الاعتقال مع محيطهم الاجتماعي تحدياً كبيراً، فالسجن يسلب المعتقل إنسانيته ويضعف إحساسه الاجتماعي. إضافة إلى ذلك، يبقى حلم تحقيق العدالة حاضراً، حيث يتطلع الناجون إلى رؤية سجانيهم خلف القضبان، يحاسبون على الجرائم التي ارتكبوها. هذا الحلم يراود أيضاً أهالي المعتقلين الذين قضوا تحت التعذيب، والذين تقدر المنظمات الحقوقية أعدادهم بنحو نصف مليون شخص.

أمضت ميساء عشر سنوات متنقلة بين الأفرع الأمنية والسجون. اعتُقلت في 14 نيسان/أبريل 2014 على حاجز للمخابرات في دمشق، قبل أن تُنقل بين فرع الميسات، فرع الفيحاء، وأخيراً سجن عدرا، حيث أُدينت بتهم ملفقة تتعلق بالإرهاب، بعد أن انتُزعت منها اعترافات تحت التعذيب. وقالت ميساء لمنصة سوريا 24: "تم شبحي وتعليقي لساعات طويلة، وعشت شهراً كاملاً من الصعق بالكهرباء والشتائم. لم يكن هناك طعام كافٍ ولا فراش، وكان مجرد صوت خطوات السجان كفيلاً بإثارة الرعب في قلوبنا".

جراح نفسية عميقة

تركت سنوات الاعتقال ندوباً نفسية عميقة لدى ميساء، حيث فقدت صلتها بمفردات الحياة الطبيعية من أسرة وأصدقاء وجيران. حتى بعد خروجها، استغرقت أسابيع لتعتاد على مناداة والدتها بكلمة "أمي". وترى أن مساعدة الناجين تتطلب تحقيق العدالة ومحاسبة الجناة، مما يعيد لهم جزءاً من كرامتهم وحقوقهم المهدرة. لكن طريق العدالة ما يزال غير واضح، إذ تجهل ميساء كيفية رفع دعاوى أو الجهة المسؤولة عن إنصافها.

دور القانون

أوضحت المحامية هدى سرجاوي، المختصة بالقانون الدولي، خلال حديثها لمنصة سوريا 24 أن "القانون يمنح ضحايا التعذيب حق مقاضاة الحكومات أو الجهات الأمنية التي ارتكبت جرائم بحقهم. حتى في القانون السوري، المادة 391 من قانون العقوبات تجرّم التعذيب، لكنها بقيت معطلة". وأشارت سرجاوي إلى أن النظام استخدم قوانين الطوارئ ومكافحة الإرهاب كغطاء لاعتقال مئات الآلاف، معتبرة أن ما ارتُكب يمكن تصنيفه كـ جرائم ضد الإنسانية وفق القانون الدولي. ومع ذلك، ترى أن مقاضاة مرتكبي الانتهاكات لن تكون متاحة بسهولة في المدى القريب، مطالبة بإنشاء لجنة وطنية مختصة بقضايا المعتقلين والناجين.

بين العزلة والدعم المجتمعي

إلى جانب الجرح النفسي، يواجه الناجون تحديات اقتصادية كبيرة. تقول ميساء: "خرجت من المعتقل لأجد أمي تعيش ضائقة مالية. بحثت عن عمل يؤمّن لنا قوت يومنا لكن الأمر كان في غاية الصعوبة". دفع غياب الدعم الرسمي الناجين إلى تأسيس روابط وجمعيات لمساندة بعضهم البعض. من أبرزها رابطة الناجيات السوريات التي أسستها معتقلات سابقات عام 2021، لتصبح اليوم مظلة تضم أكثر من 120 ناجية. تقول مديرتها ولاء العاقل: "هدفنا تأمين الحد الأدنى من الدعم للناجيات، سواء عبر مساعدات مادية أو تعزيز العلاقات الاجتماعية بينهن، وهو ما ساعد كثيرات على استعادة بعض القوة".

من الألم إلى الأمل

داخل نشاطات الرابطة، التقت ميساء بأحمد (28 عاماً)، المعتقل السابق في صيدنايا. جمعت بينهما معاناة مشتركة تحولت إلى رابطة زواج. يقول أحمد: "خرجت من السجن معاقاً جسدياً وبلا هدف. حين التقيت بميساء صار لي سبب لأعيش". اليوم، يعمل أحمد على بسطة صغيرة في ريف إدلب، بينما تحاول ميساء بناء حياة جديدة. كلاهما يرى أن الزواج وفّر لهما ملاذاً نفسياً في مواجهة مجتمع لم يعايش أهوال المعتقل. رغم محاولات التأقلم، يظل السؤال المؤرق بالنسبة لميساء وأحمد ومعهما آلاف الناجين: متى ستُفتح أبواب المحاكم ليُحاسب الجلاد، ويستعيد الضحايا جزءاً من حقهم الضائع؟

مشاركة المقال: