الأحد, 19 أكتوبر 2025 04:34 PM

تحديات متزايدة للدولار: مشاريع وخطط لتقويض هيمنته العالمية

تحديات متزايدة للدولار: مشاريع وخطط لتقويض هيمنته العالمية

علي عبود: في السنوات الأخيرة، تزايد الحديث عن محاولات بعض الدول، سواء كانت سرية أو علنية، للحد من هيمنة الدولار الأمريكي على التجارة العالمية، وذلك عبر نظام الدفع الأمريكي المعروف باسم "سويفت".

مما لا شك فيه أن نظام الدفع الروسي الجديد، والعملة الرقمية التي أطلقتها الصين منذ سنوات، بالإضافة إلى العملات الوطنية التي اعتمدتها مجموعة "بريكس" في تعاملاتها التجارية، قد أثرت على مكانة الدولار، وتسببت في انخفاض حصته من إجمالي حجم التجارة الدولية.

السؤال المطروح هنا: هل توجد مشاريع أو خطط جدية وفعالة تهدد بالفعل هيمنة الدولار؟ وفقًا للخبراء، بدأت هيمنة الدولار الأمريكي في التجارة العالمية مع إنشاء نظام "بريتون وودز" بعد الحرب العالمية الثانية. وقد حدد هذا النظام أسعار صرف ثابتة مقابل الدولار، بالإضافة إلى سعر ثابت للدولار بالذهب. لم يواجه نظام "بريتون وودز" أي تهديد حقيقي في العقود الماضية، إلى أن بدأت الصين في منافسة أمريكا اقتصاديًا، وبعد رد روسيا على العقوبات الغربية بالتخلي التدريجي عن الدولار.

وهذا يقودنا إلى سؤال آخر: هل بإمكان دولة أو أكثر التخلي عن الدولار؟ لم يعد هذا السؤال مجرد ترف نظري أو احتمال مستحيل، حيث توجد حاليًا خمسة مشاريع قيد التنفيذ تهدد بشكل فعلي مكانة الدولار. مع الإشارة إلى أن أصحاب هذه المشاريع لم يعلنوا حربًا اقتصادية أو تجارية ضد أمريكا، بل يهدفون إلى التعامل بعملات بديلة لتجنب العقوبات المالية والتهديد بالحرمان من التعامل بنظام "سويفت".

يعتبر مشروع الكتلة الاقتصادية لدول "بريكس" أكبر تجمع اقتصادي يهدد هيمنة الدولار. ولولا السياسات الأمريكية المتطرفة ضد روسيا، وخاصة ما يتعلق بحجب أو تجميد احتياطاتها من النقد الأجنبي ومنعها من استخدام نظام "سويفت" من جهة، والحرب الاقتصادية والتجارية الأمريكية ضد الصين من جهة أخرى، لما برز تجمع "بريكس" كأقوى تكتل اقتصادي دولي في العامين الأخيرين.

نعم، بعد "بريكس" أصبحت هيمنة الدولار في خطر، وبدأ دور نظام "سويفت" بالتراجع أمام أنظمة دفع بديلة وفعالة، مما أتاح للدول، سواء الخاضعة للعقوبات أو الساعية للتحرر من الضغوطات الأمريكية، التخلي عن الدولار كليًا أو جزئيًا.

منذ عامين، تدرس الكتلة الاقتصادية لدول "بريكس"، التي تأسست سنة 2006، إنشاء سلة من العملات البديلة، من أبرزها عملة رقمية مغطاة بالذهب. وقد انضمت إليها مؤخرًا السعودية ومصر وتركيا والجزائر، وبالتالي أصبحت تشكل ما يقرب من نصف سكان العالم وربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي، ونصف الناتج المحلي الإجمالي لمجموعة الدول الصناعية السبع.

لا شك أن "بريكس" تشكل أكبر تهديد لهيمنة الدولار في الأمد المنظور وليس البعيد جدًا، إذ من المتوقع أن تصبح عملتها المنافس الأكبر للدولار في السنوات المقبلة، بالإضافة إلى فائدتها لدول التكتل لأنها ستزيد من استقرار أنظمتها المالية وتعزيز سيادتها.

وإذا كانت بعض دول مجموعة "بريكس" لا تهدد الدولار كالسعودية والهند والإمارات، فإن الوضع مختلف جدًا مع الصين التي بدأت العمل منذ سنوات على مشروع "البترويوان" كبديل للبترودولار. هذا المشروع سيتيح للصين الانفصال عن النظام العالمي الذي يضمن الهيمنة الأمريكية، وتسعى بكين إلى إقناع دول الخليج ببيعها النفط باليوان مقابل ضخ استثمارات صينية في مجال الطاقة، علمًا أن مشتريات الصين النفطية وكثير من السلع من روسيا وإيران تتم بعملات البلدين وليس بالدولار.

وحسب ما كشفه البنك المركزي الإيراني، فإن روسيا وإيران تعملان على مشروع إنشاء عملة رقمية مشفرة مستقرة مدعومة بالذهب، يمكن اعتمادها كوسيلة للدفع في تسويات التجارة الخارجية بدلا من الدولار والروبل والريال الإيراني.

بدأنا نسمع منذ عامين عن مشروع "عملة الجنوب"، فقد أطلقت الأرجنتين والبرازيل مبادرة إنشاء عملة إقليمية للمدفوعات المتبادلة باسم "جنوب أو سور"، ستكون الوحدة النقدية المحتملة في دول أمريكا الجنوبية خلال بضع سنوات من أجل مواجهة الدولار في السوق المالية العالمية، وحسب صحيفة "فاينانشال تايمز" سيمثل الإتحاد النقدي لأمريكا اللاتينية حوالي 5 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

ومن الملفت للاهتمام أن هناك مشروعًا قيد المناقشة بين الإمارات العربية المتحدة والهند، هدفه تعزيز التجارة غير النفطية التي تصل إلى 10 مليارات دولار تقريبًا بالروبية والدرهم.

الخلاصة: يمكن الجزم بأن مسار هيمنة الدولار بدأ بالانحدار، ومشاريع المدفوعات التجارية العالمية بالعملات المحلية أو الرقمية المدعومة بالذهب تزداد عامًا بعد عام بفعل قوتين عالميتين عسكرية واقتصادية هما روسيا والصين.

(أخبار سوريا الوطن-2)

مشاركة المقال: