في ظل تصاعد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، تعود الحروب الجمركية لتلقي بظلالها على الاقتصاد العالمي، حاملة معها تأثيرات متشابكة تتجاوز حدود هاتين القوتين الاقتصاديتين. فمع كل زيادة في الرسوم الأمريكية على السلع الصينية، تشهد حركة التجارة العالمية تحولات في مسارات الإمداد، مما يؤثر، ولو بشكل غير مباشر، على دول مثل سوريا التي تعتمد بشكل كبير على المنتجات الصينية أو الأسواق الوسيطة المرتبطة بها.
وكان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قد أعلن عن فرض تعريفات جمركية إضافية بنسبة 100% على البضائع الصينية، بالإضافة إلى التعريفات الجمركية الحالية البالغة 30%. وأشار ترامب في منشور على موقع “تروث سوشيال” في 11 تشرين الأول الحالي، إلى أن “الولايات المتحدة الأمريكية ستفرض ضوابط على تصدير جميع البرمجيات الأساسية الصينية”.
ما هي دوافع الخطوة الأمريكية؟
ترى أوساط اقتصادية أن الهدف من هذه الخطوة الأمريكية هو تقليص العجز التجاري الأمريكي، وبالتالي فإن تأثيراتها لن تقتصر على واشنطن وبكين، بل ستشمل دولًا أخرى تعتمد على السلع والمنتجات الصينية.
أوضح الأستاذ الجامعي في كلية الاقتصاد بجامعة “دمشق” والخبير الاقتصادي، الدكتور مجدي الجاموس، أن هذا التوجه، على الرغم من أنه قد يبدو عسكريًا، إلا أنه يستند إلى خلفية اقتصادية. فالولايات المتحدة لن تتخلى عن المكاسب التي حققتها من مؤتمر “بريتون وودز” عام 1943، وأهمها تثبيت الدولار كعملة رائدة مرتبطة بالذهب، والتي تستخدم في تسعير معظم السلع العالمية. ويرى الجاموس أن واشنطن تسعى لمواجهة النمو الاقتصادي الصيني وتطور العملات الرقمية، لحماية هذه المكاسب التاريخية.
وأضاف الجاموس أن إغراق السلع الصينية للسوق الأمريكي دفع ترامب إلى فرض رسوم جمركية عالية، وصلت إلى 100%، بهدف تشجيع الصناعة المحلية، مما أدى إلى انخفاض حجم التبادل التجاري السنوي بين البلدين من 600–650 مليار دولار بنسبة تجاوزت 30% في أيلول الماضي، ومن المتوقع أن يصل الانخفاض إلى أكثر من 75% إذا استمرت الرسوم. وأكد الجاموس أن هذه الخطوة ستنعكس على حجم التجارة الدولية، وبالتالي على مستوى الأسعار العالمية.
كيف سيؤثر ذلك على سوريا؟
أشار الأستاذ الجامعي في كلية الاقتصاد في جامعة “حماة” والخبير الاقتصادي، الدكتور عبد الرحمن محمد، إلى أن هذا القرار يأتي في سياق الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، حيث سعى الرئيس ترامب إلى تقليل العجز التجاري الأمريكي وتعزيز الصناعات المحلية الأمريكية. وأوضح الدكتور محمد أن تأثير الرسوم الأمريكية لن يقتصر على الولايات المتحدة والصين، بل سيمتد ليشمل دولًا أخرى، بما في ذلك سوريا، نظرًا لاعتمادها الكبير على الواردات الصينية لتلبية احتياجاتها.
يرى الدكتور محمد أن فرض الرسوم الجمركية الأمريكية بنسبة 100% على المستوردات الصينية سيؤدي إلى عدة تأثيرات رئيسة، منها: ارتفاع تكلفة السلع الصينية في السوق الأمريكية، مما يجعلها أقل تنافسية مقارنة بمنتجات الدول الأخرى، وتراجع الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة نتيجة انخفاض الطلب، ما يدفع الشركات الصينية إلى البحث عن أسواق بديلة لتعويض خسائرها، ومنها سوريا، بالإضافة إلى تأثير سلبي على الاقتصاد الصيني نتيجة تباطؤ النمو المرتبط بالتصدير.
توجيه الفائض الإنتاجي إلى سوريا
على الرغم من أن سوريا ليست طرفًا مباشرًا في هذه المواجهة، إلا أن ارتباطها الوثيق بالأسواق الآسيوية، وخاصة الصينية، يجعلها عرضة لتداعيات غير مباشرة قد تمس أسعار السلع، سواء بالارتفاع أو الانخفاض، أو تكاليف الاستيراد وحركة التجارة المحلية.
وفي سياق تأثير الأسواق السورية، يوضح الدكتور عبد الرحمن محمد أن سوريا تستورد من الصين ثلاثة أنواع من المنتجات: منتجات لذوي الدخل المرتفع، التي تنافس السلع الأمريكية، ومنتجات متوسطة التكلفة، ومنتجات منخفضة التكلفة موجهة لذوي الدخل المحدود، وتشمل الهواتف، الأجهزة المنزلية والكهربائية، الملابس والأقمشة، المعدات الصناعية، السيارات وقطع غيارها، والدراجات النارية.
وأشار محمد إلى أن انخفاض الصادرات الأمريكية قد يؤدي إلى توجيه فائض الإنتاج الصيني إلى سوريا، ما قد يخفض أسعار بعض السلع الصينية، مع مراعاة تأثير سعر صرف الليرة السورية وتكاليف النقل والجمارك، والتي قد تحد من هذا الانخفاض.
منافسة المنتجات المحلية
أكد الأستاذ الجامعي في كلية الاقتصاد بجامعة “دمشق” والخبير الاقتصادي، الدكتور مجدي الجاموس، أن أي زيادة في الواردات الصينية إلى سوريا ستخلق منافسة مع المنتجات المحلية، خاصة في ظل ضعف القطاع الصناعي، بينما بعض السلع التركية ما زالت تحتفظ بحضور أقوى في السوق.
وأوضح الدكتور عبد الرحمن محمد أن المستقبل قد يشهد سيناريوهات مختلفة: انخفاض الأسعار إذا استمرت الصين بتوجيه فائض إنتاجها إلى سوريا، أو استقرار أو ارتفاع الأسعار إذا استمرت التحديات الاقتصادية المحلية مثل التضخم وضعف الليرة، فقد لا يكون الانخفاض ملموسًا، رغم زيادة الواردات الصينية.
وشدد الدكتور محمد على ضرورة الرقابة المشددة على الواردات الصينية، لتفادي تدفق سلع منخفضة الجودة تؤثر على المنتج المحلي السوري، خصوصًا في ظل ضعف البنية التحتية والقطاع الإنتاجي والصناعي.
تُظهر تصريحات الخبيرين أن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين ستترك أثرًا على حركة التجارة العالمية، مع انعكاسات مباشرة وغير مباشرة على سوريا، فقد توفر الرسوم الأمريكية فرصة لانخفاض أسعار بعض السلع الصينية في السوق السورية، إلا أن التحديات الاقتصادية المحلية قد تحد من هذا التأثير، ما يجعل إدارة السياسات الاقتصادية والتجارية السورية أمرًا حيويًا لمواجهة انعكاسات القرارات العالمية.
زيادة الرسوم الجمركية على سوريا
تصدرت سوريا قائمة زيادة الرسوم الجمركية التي وقع عليها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في 31 تموز الماضي، وتضمنت عشرات الدول التي تعتبر الولايات المتحدة أن الميزان التجاري معها يميل بقوة لحساب تلك الدول.
وفرض الرئيس الأمريكي نسبة تصل إلى 41% على الرسوم الجمركية للواردات من سوريا، لتكون الدولة الأكثر استهدافًا بالرسوم الأمريكية، ليس في المنطقة العربية، وإنما في العالم كله، خاصة الدول التي تخوض واشنطن معها نزاعات تجارية طويلة مثل الصين وكندا والمكسيك.
وقال البيت الأبيض في بيان له، إن نسبة الرسوم الجمركية الجديدة تتراوح بين 10 و41%، وتطبق هذه على الدول التي لم تتوصل إلى اتفاقات تجارية ثنائية مع الولايات المتحدة، ودخلت الرسوم الجديدة حيز التنفيذ في 7 آب الماضي.
وشرح الدكتور عبد الرحمن محمد حينها أن الرسوم الجمركية بنسبة 41% لها تأثيرات سلبية واضحة على الاقتصاد السوري، تتمثل في: تقييد الصادرات، فالرسوم تغلق الباب أمام توسع الصادرات السورية إلى السوق الأمريكي، مما يضعف قدرة الصناعات الصغيرة والمتوسطة على تحقيق إيرادات بالدولار، وزيادة العزلة الاقتصادية، فالقرار يعزز عزلة سوريا اقتصاديًا، ويعرقل جهود إعادة الإعمار، مما يدفعها للبحث عن أسواق بديلة مثل دول الخليج وتركيا، وارتفاع التكاليف، فارتفاع الرسوم يزيد من تكلفة المنتجات السورية في السوق الأمريكي، مما يقلل من تنافسيتها ويضعف الطلب عليها، والضغط على الاقتصاد المحلي، ففي ظل محاولات سوريا للخروج من آثار الحرب، تضيف هذه الرسوم عبئًا إضافيًا إلى الاقتصاد، مما يعوق النمو الاقتصادي.
وكانت واشنطن فرضت، في 2 نيسان الماضي، رسومًا جمركية على البضائع التي يتم تصديرها من أمريكا إلى سوريا بنسبة 41%، كما بلغت نسبة الرسوم الجمركية المفروضة على البضائع التي تأتي من سوريا إلى أمريكا 81%.