الأحد, 29 يونيو 2025 10:59 AM

تحقيقات حول استغلال المستشفيات الخاصة في القامشلي: المرضى يشتكون من ارتفاع التكاليف وتدني الخدمات

تحقيقات حول استغلال المستشفيات الخاصة في القامشلي: المرضى يشتكون من ارتفاع التكاليف وتدني الخدمات

في مدينة القامشلي، تحولت المستشفيات الخاصة إلى عبء مالي ونفسي على المرضى وذويهم، بعد أن كانت ملاذاً للشفاء. فالفواتير الباهظة، والخدمات المتواضعة، والتشخيصات التي يشوبها التضليل، حولت العلاج إلى تجارة والمريض إلى مجرد زبون في سوق مفتوح يفتقر إلى الرقابة.

دفعوا أثماناً باهظة مقابل علاج غير مضمون

يقول أبو جابر، البالغ من العمر 45 عاماً، وهو من سكان مدينة القامشلي، إنه اضطر لإدخال شقيقه، الذي كان يعاني من أزمة قلبية، إلى قسم العناية المركزة في أحد المستشفيات الخاصة بالمدينة. لم يكن أمامه خيار سوى المستشفى السوري التخصصي، لكنه صُدم عندما علم أن كلفة الليلة الواحدة تصل إلى مليوني ليرة سورية، دون احتساب أجور الطبيب وأسعار الأدوية من صيدلية المستشفى.

ويؤكد أبو جابر أن المستشفيات الخاصة في القامشلي تتجاهل الوضع الاقتصادي المتدهور للسكان، وتستغل حاجتهم إلى الدواء والرعاية، وتتعامل مع المرضى كفرص لتحقيق الربح. ويشير إلى أن الأسعار تختلف من مستشفى إلى آخر في غياب أي تنظيم أو رقابة. ويضيف: "كلما زرت مستشفى، كنت أحفظ أسعارها واحداً تلو الآخر، وآخرها كان مستشفى تيشي الذي قيل إنه جيد، لكن التجربة كانت محبطة".

رعاية شكلية ومسكنات دون خطة علاج

ويوضح أبو جابر أن معظم المستشفيات تكتفي بإعطاء المهدئات والمسكنات دون متابعة دقيقة لحالة المريض، ولا تقدم علاجاً حقيقياً. فالرعاية محدودة، والتشخيص غالباً ما يكون غائباً، بينما تُحتسب تكاليف الغرفة وخدمات الإقامة كما لو كانت في فندق خمس نجوم، وتُضاف جميعها إلى الفاتورة دون تقديم خدمة تتناسب مع هذه الأرقام.

تكلفة باهظة وخدمة متدنية

يصف عبد الله ملا العيسى، البالغ من العمر 38 عاماً، الوضع الصحي في المدينة بأنه "تجارة لا علاج". ويشير إلى أن عدد المستشفيات الخاصة في القامشلي تجاوز العشرة، لكنها تعمل جميعها بنفس الطريقة القائمة على الربح الفاحش والخدمة المتواضعة.

ويؤكد عبد الله أن مستوى النظافة سيئ، والكوادر التمريضية شبه غائبة، والأطباء يمرون بسرعة على المريض دون تشخيص دقيق، ويتركون وصفات مليئة بالأدوية، بعضها غير ضروري. والهدف، كما يقول، هو ملء الوصفة بأي شكل لضمان دفع أكبر قدر من المال، بغض النظر عن فائدة العلاج أو ضرره.

أخطاء تشخيص خطيرة وتأخير قاتل

من جهته، يروي "أبو خالد"، البالغ من العمر 30 عاماً، وهو من ريف القامشلي، معاناة والدته المصابة بالسرطان. بعد ظهور ورم في جسدها، لجأوا إلى عدة أطباء في المستشفيات الخاصة بالقامشلي، لكن كل طبيب قدم تقييماً مختلفاً: "واحد قال إنها حرارة، وآخر قال إنها عقد لمفاوية غير خطيرة".

بعد تنقلها بين ثلاث مستشفيات وإجراء تحاليل مكلفة دون نتائج واضحة، قررت العائلة نقلها إلى دمشق، حيث تم اكتشاف السرطان في أول فحص. وتبين أن المرض موجود في جسدها منذ ستة أشهر، مما يكشف عن خطورة الأخطاء الطبية والتشخيص العشوائي في مستشفيات المدينة.

دمشق كوجهة أخيرة للباحثين عن علاج حقيقي

في ظل تدهور مستوى الرعاية في القطاع الطبي الخاص بالقامشلي، أصبحت دمشق الخيار المفضل للعلاج. فقد وجد المرضى والعائلات هناك أطباء أكثر كفاءة، ومستشفيات تقدم تشخيصاً أدق وعلاجاً أكثر مهنية، على عكس ما يعيشونه يومياً في مدينتهم من إهمال واستغلال.

واقع صحي مأزوم

يكشف الواقع الحالي في مستشفيات القامشلي الخاصة عن أزمة عميقة في الرؤية والمسؤولية. فالمستويات المتدنية للخدمات الطبية لا تتناسب مع التكاليف الباهظة، والأخطاء في التشخيص تتكرر، والرقابة غائبة، والاستنزاف المالي للمواطنين مستمر. لقد تحول العلاج إلى تجارة، وفقد المريض حقه في الرعاية الآمنة.

أمام هذا الواقع المؤلم، تبقى الحاجة ملحة لتدخل حقيقي من الجهات المعنية لإعادة تنظيم القطاع الصحي الخاص، والتأكيد على أن الطب ليس تجارة، بل رسالة إنسانية لا تحتمل الاستغلال.

مشاركة المقال: