الأربعاء, 29 أكتوبر 2025 01:05 AM

تركيا تعيّن سفيرًا جديدًا في دمشق: مهمة معقدة بين النفوذ، قسد، وإسرائيل

تركيا تعيّن سفيرًا جديدًا في دمشق: مهمة معقدة بين النفوذ، قسد، وإسرائيل

شبكة أخبار سوريا والعالم/ اختارت أنقرة سفيرها الجديد في سوريا، وهو شخصية قريبة من دوائر صنع القرار التركي والملمة بتفاصيل المشهد السوري منذ بداية الثورة. هذا الاختيار يعكس الأهمية التي توليها تركيا للملف السوري، والذي استثمرت فيه سياسيًا ودبلوماسيًا وعسكريًا وأمنيًا.

وقع اختيار أنقرة على نائب وزير الخارجية، نوح يلمظ، ليكون سفيرًا فوق العادة وخلفًا للقائم بالأعمال برهان كور أوغلو، الذي تم تعيينه مباشرة بعد سقوط النظام السابق.

تهدف أنقرة من خلال تعيين هذا السفير إلى تعزيز نفوذها في الملف السوري، الذي يواجه تحديات من قوى أخرى تسعى للحد من هذا النفوذ، وترى أن دور تركيا يجب أن يقتصر على الشمال السوري، بينما تتقاسم قوى أخرى النفوذ في باقي المناطق.

للإمساك بالملف السوري

يرى المحلل السياسي السوري خالد الفطيم أن تعيين يلماز سفيرًا في دمشق يأتي في إطار التغييرات الإدارية في الخارجية التركية. ويضيف أن شخصية السفير يلماز تعكس رغبة الحكومة التركية في الحفاظ على مصالحها في سوريا من خلال الاعتماد على شخص مطلع على كافة تفاصيل المشهد السوري، وعلى علاقة وثيقة برجالات الثورة وقادة الفصائل الذين أصبحوا اليوم في مواقع السلطة في دمشق.

وفي حديثه لـRT، أشار المحلل السياسي إلى أن إشراف يلماز الدقيق على بناء العلاقة التركية مع الثورة السورية خلال سنوات الصراع مع الأسد، وخلفيته الأمنية البارزة التي جعلت منه أحد المخططين لإسقاط النظام، دفعت أنقرة إلى تعيينه سفيرًا لها في دمشق، متجاوزة التراتبية الوظيفية في وزارة الخارجية التركية. تهدف هذه الخطوة إلى تثبيت الحضور التركي القوي في سوريا وتحصينه من محاولات تقليصه من قبل إسرائيل وبعض الدول الإقليمية الأخرى، التي لم ترحب بمساعي أنقرة لإقامة شراكة استراتيجية دائمة مع الجانب السوري بدعم من واشنطن.

بالإضافة إلى مهامه كسفير في دمشق، يترأس يلماز "اللجنة التقنية التنسيقية"، وهي الذراع التنفيذية لـ"المجلس الاستراتيجي الأعلى" المعني بالملف السوري، والذي كان له دور كبير فيه بعد أن أشرف على تأسيسه انطلاقًا من خلفيته الأمنية، حيث عمل لسنوات طويلة في الاستخبارات التركية، وساهم بشكل فعال في تشكيل سياسة تركيا الجديدة مع سوريا بعد سنوات من العلاقة الدافئة مع نظام الأسد قبل الثورة السورية، التي رعتها تركيا منذ البداية، وفي ظل المعرفة العميقة والعلاقة المتينة التي تربطه بالسلطات في دمشق منذ أن كانوا منضوين تحت مسمى (هيئة تحرير الشام) في إدلب.

الصراع مع إسرائيل

يرى المحلل السياسي السوري سعيد جودة أن التوكيل الأمريكي لتركيا بإدارة الملف السوري لا يزال قائمًا حتى الآن، حيث تسعى واشنطن إلى خلق حالة من التوازن في سوريا عبر مبعوثها الخاص إلى هناك، توماس باراك، الذي يشغل في الوقت نفسه منصب السفير الأمريكي في تركيا، والذي ينتظر في الأيام القادمة تمديد مهمته كمبعوث إلى سوريا.

وفي حديثه لموقعنا، شدد جودة على أن طبيعة المهام الملقاة على عاتق يلماز تجعل صلاحياته تتجاوز حدود عمل السفراء إلى ما يمكن وصفه بمهام "المبعوث الخاص" الملم بكل تفاصيل المشهد السوري وتشابكاته المحلية والإقليمية، وخاصة على المستويين الأمني والعسكري، حيث سبق للرجل أن هندس العلاقة مع الفصائل المسلحة السورية المرتبطة بأنقرة، والتي شكلت العمود الفقري للجيش السوري الحالي، بما في ذلك العلاقة مع فصائل "الجيش الوطني" الذي لا يزال أفراده يتقاضون رواتبهم من أنقرة، كما أنه يتمتع باستقلالية تامة عن دمشق. كما تعول عليه أنقرة في حسم الصراع مع "قسد"، خاصة وأنه ينتشر على كامل خطوط التماس معها وكان رأس الحربة في كل التوغلات التركية السابقة داخل الأراضي السورية.

ولفت المحلل السياسي إلى أن المهمة الأولى التي تقع على عاتق السفير الجديد، الذي عين بعد 13 عامًا من تعيين آخر سفير تركي في دمشق (عمر أونهن)، تتمثل في مقاربة أكثر الملفات خطورة بالنسبة لأنقرة في سوريا، وهما ملفا "قسد" وإسرائيل، التي نجحت في فرض خطوطها الحمراء على تركيا بحشرها في الشمال السوري ومنع تمددها إلى داخل البلاد بعد رسائل النار التي حملتها تل أبيب إلى أنقرة من خلال استهداف سلاح الجو الإسرائيلي لقواعد عسكرية تركية قيد الإنشاء في ريف حمص وسط البلاد في أبريل الماضي.

بالتوازي مع ذلك، يشير جودة إلى أن ملف "قسد" لا يزال يشهد حالة من الاستعصاء السياسي بسبب ثبات المواقف على حالها حول اتفاق العاشر من آذار الذي وقعه الرئيس أحمد الشرع مع قائد "قوات سوريا الديمقراطية" مظلوم عبدي، ليبدو تعيين يلماز السريع غير بعيد عن ترقب الموعد المحدد للانتهاء من تطبيق هذا الاتفاق وهو نهاية العام الحالي.

حضور السفير التركي الجديد في دمشق لن يقتصر على معالجة الملفات الأمنية والعسكرية، وإنما قد يتعداه إلى الملف الاقتصادي الذي تطمح فيه أنقرة أن تكون مهيمنة عبر شركاتها في مجال الاستثمار وإعادة الإعمار، وهو طموح لا يبدو يلماز غريبًا عنه مع شروع الغرب في تخفيف أو تعليق العقوبات عن سوريا، إذ يملك الرجل خبرة واسعة في هذا الشأن من خلال إدارته لمكتب الأبحاث السياسية والاقتصادية والاجتماعية في واشنطن بين عامي 2008 و 2011 ومشاركته في برامج تدريبية لحساب وزارة الدفاع في حلف "الناتو"، الأمر الذي جعله ضليعًا كذلك في الشأن الإداري والاقتصادي.

يدرك السفير التركي الجديد في سوريا، الذي يبلغ من العمر 49 عامًا ويحمل شهادة دكتوراه في علم الاجتماع من جامعة "يلدريم بيازيد" ويتقن اللغتين العربية والإنجليزية إلى جانب لغته الأم التركية، أن ثمة أمورًا جديدة طرأت على واقع كان يشرف فيه على فصائل ثورية عرف في حينه كيف يمسك بزمامها، أما وقد استمرأت هذه الفصائل السلطة اليوم وباتت مضطرة لنسج علاقات مع دول إقليمية قد تصطدم مع الطموحات التركية في سوريا، فإن الأمر بات يستدعي مقاربة جديدة من قبل السفير الجديد.

مقاربة تلحظ عملية الانتقال من الثورة إلى السلطة وما يستدعيه ذلك من خروج عن حالة الإملاء التي كانت أنقرة حتى الأمس القريب قادرة على فرضه على ثوار الأمس.

المصدر: RT

مشاركة المقال: