دير الزور – عبادة الشيخ: يواجه القطاع الزراعي في محافظة دير الزور، الواقعة شرقي سوريا، تحديات جمة، حيث تحولت مساحات واسعة من سهولها الخصبة، التي كانت تعتبر سلة غذاء سوريا، إلى أراض قاحلة وشبه صحراوية. هذا التحول الخطير لا يهدد فقط سبل عيش آلاف المزارعين، بل يضع الأمن الغذائي للمنطقة بأسرها على المحك، وذلك في ظل تفاقم أزمة الجفاف ونقص الدعم المقدم للجمعيات الفلاحية.
وتزداد الأزمة حدة في دير الزور مع خروج ما يزيد على 70 ألف دونم من الأراضي الزراعية (الدونم الواحد يساوي 1000 متر مربع) من دائرة الإنتاج بشكل كامل. ووفقًا لمعلومات حصلت عليها عنب بلدي من دائرة اتحاد الفلاحين في دير الزور، تتوزع هذه المساحات المتضررة على بلدات موحسن والقورية والعشارة والبوكمال وريف دير الزور الغربي. ويعود السبب الرئيسي في عدم وصول مياه الري إلى هذه الأراضي إلى الانخفاض غير المسبوق في منسوب نهر الفرات، الذي تعتمد عليه المنطقة بشكل أساسي، بالإضافة إلى تعطل وتدمير البنية التحتية لشبكات الري ومحطات الضخ، فضلاً عن شح الوقود اللازم لتشغيل المضخات.
خليل الحميدي، وهو مزارع من بلدة موحسن، صرح لعنب بلدي قائلاً: "كنا نزرع أراضينا بالمحاصيل الصيفية والشتوية، ولكن اليوم الأرض عطشى ولا نملك تكاليف تشغيل الآبار أو شراء الوقود للمضخات. كنا ننتظر كل موسم بفارغ الصبر لنبيع محاصيلنا ونعيش، أما الآن، فلا نملك إلا الانتظار واليأس".
من جانبه، أوضح حسين العلي، وهو مزارع من القورية، لعنب بلدي أن الجمعيات الفلاحية كانت توفر لهم كل شيء تقريبًا، بدءًا من البذور وصولًا إلى الأسمدة. وأشار إلى أن أسعار مستلزمات الزراعة أصبحت "خيالية"، لافتًا إلى أن إنتاجهم تراجع بشكل كبير، بالإضافة إلى تدهور التربة، معربًا عن خشيته من أن تصبح أراضيهم "مجرد ذكرى". وطالب حسين بدعم القطاع الزراعي وتدخل المنظمات المهتمة بالزراعة لإنقاذه من خلال إعادة تفعيل الجمعيات الفلاحية ودعمها بشكل كامل.
بدوره، أكد حمد عبود الخضر، رئيس اتحاد الفلاحين بدير الزور، لعنب بلدي أن عددًا كبيرًا من الجمعيات الفلاحية متضرر ومتوقف عن العمل بسبب قلة الإمكانيات. وأشار إلى أن مساحة الأراضي غير المستصلحة تقدر بحوالي 70 ألف دونم، ما يشكل تحديًا كبيرًا للقطاع الزراعي في المحافظة. وأضاف أن الجمعيات الفلاحية تواجه تحديات ملحة تتطلب تدخلًا عاجلًا، منها الحاجة الماسة لمد خط كهرباء خدمي لكل جمعية، وتعويض الفلاحين عن المحروقات التي لا تتوفر بشكل كاف، بالإضافة إلى عدم توفر السيولة اللازمة لصيانة المحركات. وأشار إلى أن السواقي الترابية تعوق وصول المياه إلى الأراضي، كما يفتقر الفلاحون إلى دعم المصارف من خلال قروض طويلة الأجل وخالية من الفوائد.
وقال الخضر إن الأسباب الرئيسة لخروج الأراضي عن الاستثمار هو "عدم تعزيل مصارف المياه"، ويعود ذلك إلى نقص الآليات الكافية لتنفيذ هذه المهمة. ولمعالجة هذه التحديات، اقترح الخضر عدة حلول، منها دعم دخول المنظمات وتوجيهها لدعم القطاع الزراعي، وإعفاء الجمعيات الفلاحية من الديون المتراكمة لمصلحة المؤسسة العامة للكهرباء. وتشمل الحلول أيضًا إعادة تفعيل المحركات وتأهيل السواقي الترابية وتحويلها إلى سواقٍ أسمنتية، ما يسهم في زيادة الإنتاج الزراعي. وطالب بتزويد مدينة دير الزور بمعدات هندسية كافية "لتعزيل مجارير الصرف"، للحد من تملح الأراضي، ودعم الفلاحين بالمبيدات العامة لمكافحة الأعشاب الضارة مثل الباذنجان البري وقصب الماء، وتأمين بذور صيفية وشتوية ذات أصناف تتناسب مع المحافظة.
كما طالب الخضر بتوفير الأسمدة بأسعار مناسبة للفلاحين، وإصدار تسعيرة عادلة قبل البدء بالمواسم الزراعية. وتابع أن تزويد اتحاد الفلاحين بآليات ثقيلة تتناسب مع اتساع مساحة الأراضي أمر ضروري، حيث لا تتوفر لديهم حاليًا سوى مركبة واحدة غير حقلية.
اضطر كثير من مزارعي دير الزور إلى بيع جزء من أراضيهم الزراعية لمواجهة الأعباء المالية المتزايدة، جراء سوء المواسم الزراعية وتراكم الديون. نوح العطالله، وهو مزارع من قرية شيحة غربي دير الزور، اضطر لبيع ما يقارب 30 دونمًا من أصل 80 دونمًا يمتلكها، وفق ما قاله لعنب بلدي. وبلغت قيمة بيع الدونم الواحد 1000 دولار أمريكي، وهو سعر متدنٍّ مقارنة بقيمة الأرض الحقيقية في مناطق الاستقرار الزراعي. وأوضح أن سبب بيع الأرض تراكم الديون وعدم توفر دعم كافٍ لاستصلاح الأرض وزراعتها كما كان في السنوات السابقة.
اعتبرت الأمم المتحدة التصحر أزمة صامتة غير مرئية تعمل على زعزعة استقرار المجتمعات على نطاق عالمي، وهو ظاهرة تصنف بين أكبر التحديات البيئية في العصر الحالي، لكن معظم الناس لم يسمعوا عنه أو لا يفهمونه. ويعتبر التصحر قضية عالمية لها آثار خطيرة على التنوع البيولوجي والسلامة "الإيكولوجية" (البيئية)، وتؤدي إلى الفقر وتزعزع الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والتنمية المستدامة على الصعيد العالمي. وقدّرت الأمم المتحدة قيمة خسائر الغذاء وخدمات النظم البيئية والدخل، بسبب تدهور التربة، في جميع أنحاء العالم بحلول عام 2050، بنحو 23 تريليون دولار أمريكي. ويتسبب التصحر سنويًا في تدهور نحو 12 مليون هكتار من الأراضي، ويؤثر في 40% من سكان العالم، ويصيب جميع القارات.