الإثنين, 24 نوفمبر 2025 08:57 AM

تفاقم اليرقان الكبدي (الصفار) في سوريا: أسباب ومخاطر وتحديات صحية

تفاقم اليرقان الكبدي (الصفار) في سوريا: أسباب ومخاطر وتحديات صحية

يشهد المجتمع السوري في السنوات الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً في حالات الإصابة باليرقان الكبدي (الصفار)، وهو أحد الأعراض الرئيسية المرتبطة بفيروس التهاب الكبد A. يعزى هذا الانتشار إلى مجموعة من العوامل الصحية والبيئية والاجتماعية المتداخلة، والتي أدت إلى تدهور جودة المياه، واكتظاظ المناطق السكنية، وضعف أنظمة الرقابة الصحية. هذا الوضع يجعل المرض يشكل تحدياً صحياً عاماً يستدعي الدراسة والمعالجة الفعالة.

أولاً: ما هو التهاب الكبد A وأسباب انتشاره؟

التهاب الكبد A هو عدوى فيروسية تصيب خلايا الكبد وتسبب التهابها. تتراوح شدة المرض بين الحالات الخفيفة والمؤقتة وصولاً إلى الحالات الشديدة التي تتطلب تدخلاً طبياً عاجلاً. ينتقل الفيروس بشكل أساسي عن طريق تناول الطعام أو الماء الملوث، أو من خلال الاتصال المباشر بشخص مصاب. هذا يجعل المجتمعات التي تعاني من بنية تحتية متدهورة أكثر عرضة لانتشار المرض.

في مناطق عديدة من سوريا، ساهمت عوامل مثل تلوث شبكات المياه القديمة، وضعف الرقابة الغذائية، واختلاط مياه الصرف الصحي، والاكتظاظ في المخيمات والمناطق العشوائية، في خلق بيئة مثالية لانتقال العدوى. بالإضافة إلى ذلك، فإن محدودية الوعي الصحي لدى بعض الفئات المجتمعية تزيد من خطر الإصابة بسبب عدم الالتزام بممارسات النظافة السليمة.

ثانياً: الأعراض السريرية لالتهاب الكبد A

تظهر أعراض التهاب الكبد A عادةً بعد فترة حضانة تتراوح بين أسبوعين وستة أسابيع، وتختلف حدتها من شخص لآخر. تشمل أبرز الأعراض:

  • اليرقان (الصفار): تغير لون الجلد وبياض العينين إلى الأصفر.
  • الحمى وارتفاع درجة الحرارة.
  • البول الداكن والبراز الفاتح.
  • التعب الشديد وفقدان الطاقة.
  • الغثيان والقيء والإسهال المفاجئ.
  • فقدان الشهية وتراجع الرغبة في تناول الطعام.
  • آلام في المعدة واضطرابات الجهاز الهضمي.
  • آلام في المفاصل والعضلات.
  • الحكة الجلدية في بعض الحالات المتقدمة.

يعد اليرقان من أهم العلامات التي تدفع المرضى لطلب الرعاية الطبية، خاصة في المناطق التي ينتشر فيها المرض.

ثالثاً: محددات انتشار الصفار في سوريا

يمكن ربط انتشار اليرقان الكبدي في سوريا بعدة عوامل هيكلية:

  1. تلوث مصادر المياه: تسرب شبكات المياه واختلاطها بمياه الصرف الصحي، بالإضافة إلى استخدام مصادر مياه غير مراقبة في بعض المناطق، يعتبر سبباً رئيسياً في تفشي المرض.
  2. تدهور البنية التحتية الصحية: أضعفت الحرب قدرة المؤسسات الصحية على مراقبة جودة الغذاء والماء، وخفضت معدلات التطعيم.
  3. الاكتظاظ السكاني: ارتفاع الكثافة السكانية في المخيمات والمناطق العشوائية يزيد من فرص انتقال الفيروس عبر الاتصال المباشر أو مشاركة الأدوات الشخصية.
  4. ضعف الوعي الصحي: قلة الالتزام بغسل اليدين أو تعقيم المرافق العامة يرفع معدلات الإصابة، خاصة بين الأطفال.
  5. سوء التخزين الغذائي: بيع الأطعمة المكشوفة وقلة الرقابة على الأسواق الشعبية يساهم في نقل العدوى عبر الطعام الملوث.

رابعاً: استراتيجيات الحد من انتشار التهاب الكبد A

توصي الهيئات الصحية بمجموعة من الإجراءات الوقائية الفعالة في كسر حلقات العدوى، ومن أبرزها:

  • الالتزام بنظافة اليدين بغسلها بالماء والصابون بعد استخدام الحمام وقبل إعداد الطعام أو تناوله.
  • تجنب مشاركة الأدوات الشخصية مع المصابين، مثل المناشف وأدوات الطعام.
  • غسل الخضروات والفواكه جيداً والاعتماد على المياه المعبأة أو المعالجة في المناطق التي ينتشر فيها المرض.
  • تجنب تناول الأطعمة المكشوفة أو غير المطهوة جيداً، خاصة أثناء السفر.
  • شرب المياه من مصادر موثوقة تخضع للرقابة الصحية.
  • تنظيف وتعقيم دورات المياه بانتظام وارتداء قفازات مناسبة للوقاية.
  • تعزيز برامج التوعية الصحية في المدارس والمجتمع لرفع مستوى السلوك الوقائي.
  • تشجيع التطعيم ضد التهاب الكبد A، والذي أثبت فعاليته الكبيرة في الحد من الانتشار في الدول التي تتبعه.

خاتمة

يعكس انتشار اليرقان الكبدي في سوريا خللاً عميقاً في منظومة الصحة العامة، يرتبط بشكل مباشر بواقع البنية التحتية والخدمات الأساسية. على الرغم من أن التهاب الكبد A يعتبر من الأمراض التي يمكن الوقاية منها بدرجة كبيرة، إلا أن السيطرة عليه تتطلب تعاوناً بين السلطات الصحية، ومنظمات المجتمع المدني، والأسر، والمؤسسات التعليمية. يعد تعزيز الوعي الصحي وتحسين جودة المياه وتفعيل برامج التطعيم من أهم الخطوات التي يمكن أن تقلل بشكل ملموس من انتشار هذا المرض وتحمي الفئات الأكثر هشاشة، وخاصة الأطفال.

مشاركة المقال: