الثلاثاء, 9 سبتمبر 2025 10:14 PM

تقرير حقوقي يحذر: تجاوز أسس العدالة الانتقالية يقوض السلام في سوريا

تقرير حقوقي يحذر: تجاوز أسس العدالة الانتقالية يقوض السلام في سوريا

حذرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان من مغبة المساس بأسس العدالة الانتقالية في سوريا، داعية إلى سن قانون خاص بها، مع ضمان استقلال القضاء وحقوق الضحايا. وأكدت الشبكة أن أي تجاوز لهذه الأسس سينال من فرص تحقيق سلام مستدام في البلاد.

وأوضحت الشبكة في تقرير لها أن العلاقة بين العدالة الانتقالية والسلم الأهلي تعتبر من أعقد التحديات التي تواجه المجتمعات الخارجة من النزاعات، حيث تتداخل متطلبات المحاسبة عن الانتهاكات الجسيمة مع ضرورات بناء الاستقرار المجتمعي. وقد طرح التقرير أسئلة جوهرية حول إمكانية التوفيق بين مقتضيات المحاسبة القانونية ومتطلبات المصالحة المجتمعية في السياق السوري.

وشدد التقرير على أهمية نقاط الالتقاء والتكامل بين العدالة الانتقالية والسلم الأهلي، مع استعراض أبرز التوترات النظرية والتطبيقية بين المسارين، مؤكداً على ضرورة تجاوز الثنائية الزائفة بين "السلام مقابل العدالة"، وتكييف النماذج والمفاهيم لتتناسب مع الواقع المحلي.

وتناول التقرير الوضع في سوريا، الذي وصفه بالمعقد نتيجة النزاع وما خلفه من انتهاكات جسيمة، كالقتل الممنهج والتعذيب والإخفاء القسري والاعتقال التعسفي. وأبرز التقرير الحاجة إلى تصميم آليات دقيقة للعدالة الانتقالية تتناسب مع طبيعة الانتهاكات، محذراً من غياب التنسيق بين الهيئات المختلفة، بما في ذلك لجنة السلم الأهلي، ولجنة العدالة الانتقالية، ولجنة المختفين قسرياً.

كما سلط التقرير الضوء على الإشكاليات المتعلقة بعمل لجنة السلم الأهلي، مثل تجاوزها للصلاحيات القضائية من خلال ممارسة صلاحيات تنفيذية تتعلق بالإفراج والعفو دون تفويض قانوني، وإصدار قرارات بالعفو دون سند قانوني واضح، مما يشكل انتهاكاً للمبادئ القانونية.

كذلك، أشار التقرير إلى غياب المعايير والضوابط التي تنظم عمل اللجنة، وصدور قرارات دون الإعلان عن أسسها، والخلط بين الدور المجتمعي والدور القضائي والتنفيذي، مما يهدد مبدأ استقلال السلطة القضائية.

ورصد التقرير أيضاً مجموعة من الانتهاكات الإجرائية، مثل عدم نشر المعايير التي تستند إليها قرارات العفو والإفراج، مما يقوض مبدأ الشفافية، وتجاهل حقوق الضحايا في المعرفة والمشاركة في عملية اتخاذ القرار، واستخدام تبريرات عامة وغير محددة، مثل "المساهمة في ردع العدوان"، دون توضيح كاف.

ووثق التقرير آثاراً سلبية قال إنها نجمت عن أداء لجنة السلم الأهلي، مثل تقويض ثقة المجتمع في مسار العدالة الانتقالية بسبب اتخاذ قرارات خارج الإطار القانوني، وإرسال رسائل خاطئة إلى الضحايا توحي بتغليب الاستقرار على العدالة، وتعميق خطر الإفلات من العقاب، مما يسهم في إعادة إنتاج العوامل المؤدية إلى النزاع.

خطوات تصحيحية

دعا التقرير إلى اتخاذ خطوات تصحيحية، مثل:

  • سن قانون خاص بالعدالة الانتقالية من خلال المجلس التشريعي، مع ضمان مشاركة مجتمعية واسعة.
  • تنسيق المسارات الأربعة للعدالة الانتقالية: المساءلة، الحقيقة، التعويضات، والإصلاح المؤسسي.
  • احترام استقلال السلطة القضائية، وضمان حقوق الضحايا في التقاضي ورفع الدعاوى الفردية.
  • الاستفادة من الخبرات المحلية والدولية، مع تكييفها بما يتناسب مع الواقع السوري.

وخلص التقرير إلى أن العدالة الانتقالية والسلم الأهلي ليسا مسارين متناقضين، وأن ممارسات لجنة السلم الأهلي التي تتسم بتجاوز الصلاحيات، وغياب الشفافية، وتجاهل حقوق الضحايا، تمثل تهديداً حقيقياً لمسار العدالة وتقويضاً لفرص السلام المستدام.

توصيات

وجه التقرير توصياته إلى الحكومة السورية، ولجنة السلم الأهلي والمجتمع الدولي. وفيما يخص الحكومة، أوصاها بإعداد إطار قانوني متكامل للعدالة الانتقالية بمشاركة جميع الأطراف المعنية، وإعادة تحديد مهام لجنة السلم الأهلي لتقتصر على الحوار والمصالحات المحلية، وضمان استقلالية القضاء ومنع تدخل أي جهة غير قضائية في صلاحياته، إضافة إلى اعتماد الشفافية من خلال نشر جميع قرارات العفو والإفراج مرفقة بتبريراتها.

وفيما يخص لجنة السلم الأهلي، أوصى التقرير بأن تلتزم بدورها المجتمعي بدون أي ممارسة لصلاحيات قضائية أو تنفيذية، وتنظيم جلسات استماع دورية، ووضع دليل إجرائي واضح، ومعايير معلنة تحكم عمل اللجنة، إلى جانب آلية رقابة وتقييم مستقل.

أما المجتمع الدولي، فيوصيه التقرير بتقديم الدعم التقني والمالي للمبادرات المتعلقة بالعدالة الانتقالية، وتدريب القضاة والمحققين، ودعم منظمات المجتمع المدني، وتبادل الخبرات مع الدول التي خاضت تجارب مماثلة في العدالة الانتقالية.

وفي ختام تقريرها، حذرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان من تجاوز أسس العدالة الانتقالية القانونية والحقوقية، وقالت إن أي تجاوز، بما في ذلك تدخل لجنة السلم الأهلي خارج نطاق اختصاصها، سيؤدي إلى تقويض الجهود الرامية إلى بناء دولة القانون وتحقيق المصالحة المجتمعية المستدامة.

مشاركة المقال: