الخميس, 10 يوليو 2025 12:51 AM

تلوث خليج المنستير بتونس: كارثة بيئية تهدد الحياة البحرية وسبل عيش الصيادين

تلوث خليج المنستير بتونس: كارثة بيئية تهدد الحياة البحرية وسبل عيش الصيادين

على امتداد 40 كيلومترًا من الطريق الساحلي لخليج المنستير بتونس (شرق) في اتجاه البقالطة جنوبًا، يلاحظ المسافر اختفاء الأنشطة البحرية وقوارب الصيد، وغياب المصطافين حتى في ذروة فصل الصيف. اللافتات الحديدية التي تحذر بـ "ممنوع السباحة" هي المشهد الوحيد الذي يراه المسافرون.

قبل نحو نصف شهر، شهدت سواحل ولاية المنستير نفوقًا جماعيًا للأسماك. الهيئة الوطنية للسلامة الصحية للمنتوجات الغذائية (حكومية) أوضحت في بيان أنه تم إجراء معاينات ميدانية وجمع وإتلاف الأسماك النافقة، مع التحذير من جمعها أو استهلاكها لخطورتها على الصحة.

الباحثة بالمعهد الوطني للعلوم وتكنولوجيا البحار، عفاف الفطحلي، صرحت للإذاعة الحكومية بأن نفوق الأسماك وتحول لون المياه إلى الأحمر في خليج المنستير يعود إلى التكاثر الكثيف للطحالب المجهرية التي تستهلك كميات كبيرة من الأكسجين، مما يتسبب في اختناق الأسماك وجعلها غير صالحة للاستهلاك.

وأضافت الفطحلي أن بيانات الأقمار الاصطناعية أظهرت ارتفاع درجة حرارة المياه بسواحل المنستير في نفس الفترة، بالإضافة إلى اتجاه التيارات البحرية نحو السواحل، مما أدى إلى احتباس الكتل المائية وعدم تجددها.

منير حسين، رئيس مكتب المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالمنستير (غير حكومي)، يرى أن هذه الظاهرة "قديمة متجددة"، وليست مجرد حادث عرضي، وأنها وقعت هذا العام بشكل أكثر حدة. وأوضح في حديث مع الأناضول على شاطئ قصيبة المديوني المهجور، أن الظاهرة بدأت في 16 يونيو/ حزيران الماضي بخروج غازات كريهة الرائحة (هيدرو أوكسيد الكبريتات) من البحر، ثم انتشرت ظاهرة المد الأحمر في سواحل قصيبة المديوني، وامتدت إلى لمطة وصيادة حتى وصلت ميناء صيادة، متبوعة بنفوق أعداد كبيرة من الكائنات الحية.

وأشار حسين إلى أن التلوث الكبير في خليج المنستير هو السبب الرئيسي لهذه الظاهرة، ويعود إلى محطات معالجة مياه الصرف الصحي التي تلقي بالمياه المستعملة في الخليج، والمياه الناتجة عن الصناعات الملوِثة. واعتبر أن منظومات التصرف في المياه المستعملة الحضرية والصناعية "مدمرة للبيئة وفاشلة لأنها مبنية على خيار واحد هو نقل التلوث من مكان إلى مكان".

وأكد حسين أن الخليج يتلقى يوميًا 40 ألف متر مكعب من المياه الملوثة، مما أدى إلى تدهور الحياة البحرية، وتصحر النباتات البحرية، ونفوق الأسماك، وانقراض الكثير من الكائنات الحية، وتناقص الأخطبوط والسرطان. كما أثر التلوث على سبل عيش نحو 4 آلاف بحار يعيشون في الخليج، مما دفعهم إلى استخدام تقنيات صيد مدمرة للبيئة أو الهجرة.

وذكر حسين أن التلوث أدى إلى ظهور أمراض جلدية وتنفسية لدى البحارة، وانتشار مرض السرطان بين السكان، وتراكم ترسبات التلوث على الآثار الرومانية في بلدة لمطة.

وأشار حسين إلى وجود حراك اجتماعي متواصل يطالب بحلول للأزمة، تتمثل في وقف سكب المياه الملوثة في الخليج، والفصل بين المياه الصناعية والمنزلية، وإنشاء محطات خاصة لمعالجة المياه الصناعية، وإعلان حالة طوارئ بيئية في خليج المنستير.

مازن مقديش، رئيس الغرفة المحلية للنقابة التونسية للفلاحين بصيادة (مستقلة)، قال إن ظاهرة نفوق الأسماك ليست جديدة، لكنها هذه المرة كبيرة جدًا. وأضاف أن الأسباب هي التلوث الذي بدأ منذ إنشاء معامل النسيج في المنستير، وأن ما حدث أدى إلى "إفلاس البحارة". وحذر من أن البحر يحتضر، وأن الكارثة بكل معنى الكلمة.

واختتم مقديش حديثه بنبرة يائسة قائلاً: "نحن نتوقع أن يأتي يوم ويُغلق فيه الساحل بسياج ويكتب عليه منطقة موبوءة".

مشاركة المقال: