الخميس, 7 أغسطس 2025 10:05 PM

توماس فريدمان يحذر: أمريكا التي نعرفها تتلاشى بسبب تجاوزات ترامب وتواطؤ المسؤولين

توماس فريدمان يحذر: أمريكا التي نعرفها تتلاشى بسبب تجاوزات ترامب وتواطؤ المسؤولين

في مقاله الأسبوعي بصحيفة نيويورك تايمز، دق الكاتب الأميركي المخضرم توماس فريدمان ناقوس الخطر بشأن التحولات العميقة التي تمس مؤسسات الحكم في الولايات المتحدة خلال الولاية الثانية للرئيس دونالد ترامب.

يشير فريدمان إلى أن ما كان يعتبر في السابق خطوطًا حمراء في الحياة السياسية الأميركية، بدءًا من استقلالية البيانات الاقتصادية، مرورًا بحيادية أجهزة الاستخبارات، وصولًا إلى تقاليد الجيش، يتم تجاوزها اليوم تحت غطاء الولاء الأعمى للرئيس، وسط صمت وتواطؤ كبار المسؤولين.

ويحذر فريدمان من أن ما يحدث ليس مجرد انحراف سياسي عابر، بل هو انهيار متسارع لمنظومة القيم التي شكلت الأساس الأخلاقي والمؤسسي للجمهورية الأميركية منذ نشأتها.

ويعتبر فريدمان أن "أخطر" ما قام به ترامب خلال ولايته الثانية هو إقالة إريكا ماكنتارفر، مفوضة مكتب إحصاءات العمل "الحكومي المستقل والموثوق به"، بسبب تقديمها تقريرًا اقتصاديًا لم يرق له.

ويرى أن الأسوأ هو أن كبار المسؤولين الاقتصاديين في إدارة ترامب لم يعترضوا، بل سارعوا لتبرير الخطوة والتغطية عليها، بدلًا من أن يثنوه عن فعلته لأن ذلك يضر بمصداقيته.

ويستشهد بمثال آخر بوزيرة العمل لوري شافيز-ديريمر، التي أشادت صباح الجمعة بتقرير الوظائف واعتبرته إيجابيًا رغم تخفيض الأرقام السابقة، لكنها سرعان ما غيرت موقفها بعد الإقالة، معلنة تأييدها الكامل للرئيس ومطالبته بـ"أرقام دقيقة وغير مسيسة".

وقد دفع هذا صحيفة وول ستريت جورنال إلى التساؤل عما إذا كانت البيانات التي وُصفت بالإيجابية في الصباح، قد أصبحت مزورة في المساء. ليجيب فريدمان: "بالطبع لا".

ويوضح أن هذه الخطوة ليست الأولى من نوعها في ولاية ترامب الثانية، بل تأتي ضمن سلسلة من الإجراءات التي تقوض استقلالية الدولة وتحولها إلى أداة في يد الرئيس لتلميع صورته وتحقيق أهدافه السياسية.

يذكر فريدمان بمحاولة ترامب في يناير/كانون الثاني 2021، الضغط على سكرتير ولاية جورجيا لكي يعثر له على ما يكفي من الأصوات -11 ألفًا و780 صوتًا على وجه التحديد- لقلب نتائج الانتخابات الرئاسية، بل وهدده بـ"جريمة جنائية" إن لم يفعل.

ويشير إلى أن هذه المحاولة أفشلها آنذاك مسؤولون جمهوريون تمسكوا بالنزاهة، وهي سلالة من السياسيين يبدو أنها انقرضت تمامًا في الحقبة الحالية، على حد تعبير كاتب المقال.

ويحذر من أن الخوف بات الآن يسيطر على موظفي الدولة، الذين لن يجرؤوا على نقل أخبار أو تقييمات سلبية، خشية أن يتم التضحية بهم لإرضاء الرئيس.

ويتهم شخصيات بارزة مثل وزير الخزانة سكوت بيسنت، ومدير المجلس الاقتصادي الوطني كيفن هاسيت، ووزيرة العمل شافيز ديريمر، والممثل التجاري الأميركي جيميسون غرير، بالخنوع والتواطؤ.

ويخص بالتقريع بيسنت ويصفه بالجبان، مؤكدًا أنه يعرف جيدًا مدى خطورة ما حدث، وهو الذي شغل في السابق منصب مدير صندوق التحوط.

ويستشهد فريدمان بتصريح لوزيرة الخزانة السابقة جانيت يلين، التي اعتبرت أن ما حصل لا يمكن رؤيته إلا في "جمهوريات الموز"، مما يعكس حجم الانهيار في المعايير المؤسسية.

وينقل في مقاله ما كتبه بيل بلاين تاجر السندات المقيم في لندن، في نشرة إخبارية مشهورة بين خبراء السوق تُسمى (بلينز مورنينغ بوريدج)، بأن يوم الجمعة الأول من أغسطس/آب الجاري قد يُسجَّل "باعتباره يوم وفاة سوق سندات الخزانة الأميركية"، وذلك بسبب انهيار الثقة في البيانات الاقتصادية الرسمية.

ويتخيل بلاين سيناريو ساخرًا في مايو/أيار 2031، حيث تتحول وزارة الخزانة إلى "وزارة الحقيقة الاقتصادية" وتصبح تقاريرها أداة دعائية تابعة لشركة "تروث سوشيال" المملوكة لترامب، تزعم وجود وظائف في جميع أنحاء أميركا وأمن وازدهار لا علاقة له بالواقع.

ويوجه فريدمان حديثه للقارئ، قائلًا: "إن كنت تظن أن هذا ضرب من الخيال، فأنت لم تتابع أخبار السياسة الخارجية، لأن هذا النوع من التلاعب بالمعلومات لخدمة أهداف ترامب السياسية قد طُبّق بالفعل في مجال الاستخبارات".

ويوضح أن التلاعب بالمعلومات تجلى في إقدام مديرة الاستخبارات الوطنية تولسي غابارد، الموالية لترامب، على إقالة اثنين من كبار المسؤولين لأن تقريرهما ناقض رواية الرئيس بشأن ضلوع النظام الفنزويلي في دعم عصابة إجرامية.

ويشير إلى أن ذلك التقرير -بحسب فريدمان- قد قوّض الأساس القانوني الذي استخدمه ترامب لطرد مشتبه بهم دون محاكمة، استنادًا إلى قانون عتيق يعود لعام 1798.

ويكشف الكاتب كيف امتد هذا التوجه الذي يسميه "العمى المتعمد"، إلى مؤسسات أخرى مثل الجيش، إذ أُلغي مؤخرًا تعيين جين إيستيرلي -وهي خبيرة بارزة في الأمن السيبراني وخريجة أكاديمية ويست بوينت- في منصب تدريسي مرموق، فقط لأن ناشطة يمينية متطرفة اتهمتها "دون دليل" بأنها "جاسوسة من عهد بايدن". ويصف فريدمان هذا القرار بأنه تعبير صارخ عن مدى تغلغل نظرية المؤامرة في أجهزة الدولة.

ويختتم فريدمان مقاله بالتعبير عن خشيته على مستقبل الولايات المتحدة، معتبرًا أن استمرار هذا النهج السلطوي في الحكم، خلال السنوات الأربع القادمة، قد يؤدي إلى ضياع أميركا التي يعرفها العالم، دون أن يكون هناك سبيل واضح لاستعادتها.

مشاركة المقال: