الإثنين, 17 نوفمبر 2025 07:13 PM

جامعة هارفارد: أرشيف إسرائيل السري تحسباً لمستقبل مجهول!

جامعة هارفارد: أرشيف إسرائيل السري تحسباً لمستقبل مجهول!

"في موقع سري في هارفارد، يُحفظ أرشيف ضخم لإسرائيل، تحسباً لزوالها". هكذا بدأت صحيفة "هآرتس" العبرية تقريرها حول مشروع جامعة هارفارد الأميركية العريقة الذي بدأ في ستينيات القرن الماضي، والذي يطرح سؤالاً عميقاً حول البقاء والذاكرة ومسؤولية توثيق تجربة أمة كاملة قبل أن تختفي.

تبدأ الصحيفة الإسرائيلية قصتها بحكاية من عام 1988، عندما زارت داليا موران، مديرة أرشيف حركة "هاشومير هتسعير"، مكتبة هاري إلكينز وايدنر التذكارية في هارفارد للقاء الدكتور تشارلز برلين، أمين المكتبة، لبدء مهمة غير تقليدية: توثيق السجل الكامل لإسرائيل في مخبأ محصّن في كامبريدج، ماساتشوستس. لم يقتصر مشروع برلين على جمع الوثائق التاريخية المهمة، بل شمل أيضاً جمع "بقايا" الحياة اليومية الإسرائيلية: كتيبات وملصقات وإعلانات ونشرات سياسية، وموادّ قد تبدو للبعض مجرد خردة. الفلسفة الكامنة وراء هذا النهج هي أن "في كل مادة ينتجها المجتمع الإسرائيلي معلومات قيّمة حول سبل حياة الناس وتفكيرهم وتنظيمهم أنفسهم".

ووفقاً لـ "هآرتس"، تجلى الهدف الوجودي لمشروع برلين حين زار الكاتب الإسرائيلي حاييم بير جامعة هارفارد في أواخر التسعينيات. وعندما رأى قبو برلين المليء بالشباب الذين يقومون بـ "رقمنة" المواد، سأل: "لماذا تحتاج جامعة أميركية مرموقة إلى حفظ الوثائق الإسرائيلية؟". فأجاب برلين: "هل أنت متأكد تماماً من أنكم [في إسرائيل] ستنجون؟".

هذا السؤال كشف عن الافتراض الذي يحرك المشروع: إنشاء "نظام احتياطي" للذاكرة الثقافية والمؤسسية لأمة بأكملها، تحسباً لليوم الذي قد تُمحى فيه دولة إسرائيل. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: "لماذا يعتمد التراث الوثائقي لأمة على الحفظ في بلدٍ مُهدّد بالهجوم النوويّ والإهمال المؤسّسي؟".

تعترف "هآرتس" بأن التزام هارفارد بالمواد الإسرائيلية واليهودية استثنائي. فوفقاً لإليزابيث كيرك، بين 5 و7% من مجموعة هارفارد الضخمة تتعلق باليهود، أو أرض إسرائيل، أو دولة إسرائيل. ويعود هذا التخصص إلى عوامل تاريخية، ففي ثلاثينيات القرن السابع عشر، كانت اللغة العبرية مادةً إلزاميةً في هارفارد. وبعد قيام دولة إسرائيل في 1948، كُلِّف برلين بإدارة وحدة مخصصة لتوثيق الحياة والثقافة اليهودية.

حجم ما جمعه برلين مذهل، فبين عامي 1970 و2020، طُبعت كتب جديدة بالعبرية أكثر مما طُبع خلال 500 عام سابقة. لكن أسبقية برلين تكمن في إدراكه أن الكتب التقليدية تمثل جزءاً ضئيلاً مما يجب حفظه. فقام بجمع المواد "فوراً": منشورات من الأحياء الأرثوذكسية المتشددة، وملصقات وكتيبات من التظاهرات، وبطاقات عمل خاصة، ودعوات لحضور فعاليات جامعية، وبرامج مهرجانات، ونشرات إعلانية. وقام عالم الاجتماع مناحيم فريدمان بتصوير آلاف الـ "باشكيفليم" (ملصقات جدارية) القدسيّة في الأحياء الحريدية. ويقول إيهود بن عازر: "المنشورات الصغيرة تُفقَد لأن أحداً لا يحتفظ بها".

المثال الأبرز على تدخّل هارفارد في حفظ هذا الأرشيف هو "إذاعة إسرائيل". فقد بقيت آلاف الساعات من البثّ والنشرات الإخبارية من حروب إسرائيل في حالةٍ متهالكة. ووفقاً لموتي أمير، "أولت هيئة الإذاعة الإسرائيلية هذا الأمر أهميةً أقلّ من أهمية ورق المراحيض". اليوم، يوجد في كامبريدج 13,000 نشرة إخبارية مُفهرسة بدقة من "إذاعة إسرائيل".

الأرشيفات الصهيونية المركزية في القدس تعاونت مع جامعة هارفارد لرقمنة نحو 1,5 مليون صورة. وأقرت سيمون شليشتر بأن الأرشيف الصهيوني المركزي يفتقر إلى الموارد والخبرة اللازمة للرقمنة. لكن هذا الترتيب يعني أيضاً أن "جامعة أميركية خاصة، لا دولة إسرائيل، هي التي تتحكم الآن في الوصول إلى التراث الوثائقي اليهودي".

تطرح "هآرتس" أسئلة عميقة حول الحفظ والسيادة والبقاء، فمشروع برلين يفترض أن الزوال حتمي، سواء من الدمار المادي أو الانهيار المؤسسي أو المحو الوجودي. فهل هذا شعور عام في إسرائيل اليوم؟

أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار

مشاركة المقال: