يطرح إصرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على مواصلة الحرب في غزة تساؤلات جوهرية حول إمكانية تحول هذه الحرب إلى صراع استنزافي طويل الأمد، على غرار ما شهدته فيتنام وأفغانستان. يهدف هذا التحليل إلى مقارنة حرب غزة بالصراعات السابقة، مع إبراز أوجه التشابه والاختلاف.
أوجه التشابه:
- حرب عصابات متطورة: يواجه جيش الاحتلال تكتيكات حرب عصابات متطورة، على غرار ما حدث في فيتنام وأفغانستان. تعتمد المقاومة الفلسطينية على شبكات الأنفاق لشن هجمات مفاجئة، وهو تكتيك مماثل لما استخدمه ثوار الفيتكونغ.
- الاستنزاف النفسي والمعنوي: تهدف حرب العصابات إلى إنهاك العدو نفسياً ومعنوياً. وقد نجحت المقاومة في غزة في تحقيق ذلك، حيث تحدثت تقارير إسرائيلية عن تزايد الأمراض النفسية وحالات الهستيريا بين الجنود الصهاينة، مما أدى إلى رفض العديد من جنود الاحتياط الالتحاق بالجيش.
- التكلفة الاقتصادية الباهظة: تسببت الحروب الطويلة في فيتنام وأفغانستان في ضغوط اقتصادية كبيرة على الولايات المتحدة. وبالمثل، أدت الحرب في غزة إلى انكماش الاقتصاد الإسرائيلي وزيادة العجز في الميزانية.
- تزايد المعارضة الشعبية: يؤدي استمرار الحرب إلى تراجع الدعم الدولي وتزايد الانتقادات، مما يجعل دولة الاحتلال منبوذة دولياً. كما تزداد الانقسامات داخل المجتمع الإسرائيلي بشأن استمرار الحرب.
أوجه الاختلاف:
- العمق الاستراتيجي والجغرافيا: على عكس فيتنام وأفغانستان، يتميز قطاع غزة بمساحة صغيرة وتضاريس مسطحة، وهو محاصر من جميع الجهات.
- غياب الدعم الخارجي المباشر: لم تتلق المقاومة الفلسطينية دعماً عسكرياً مباشراً على نطاق واسع من دول أخرى، كما حدث في فيتنام وأفغانستان.
- فشل سياسي: يرى بعض المحللين أن حكومة العدو تفتقر إلى رؤية سياسية واضحة لما بعد احتلال قطاع غزة، مما قد يحول الحرب إلى مستنقع استنزاف لا نهاية له.
هل يستطيع كيان الاحتلال تحمل حرب استنزاف طويلة؟
بالنظر إلى الفارق الكبير في القوة الاقتصادية والجيوسياسية بين الولايات المتحدة وكيان الاحتلال الاسرائيلي، فإنّ مقارنة قدرتهما على تحمّل تكاليف حروب الاستنزاف ليست دقيقة تماماً. ومع ذلك، تواجه تل أبيب تحديات استنزافية كبيرة في حرب غزة، قد لا تتمكن من تحملها على المدى الطويل بنفس طريقة الولايات المتحدة.
- تكلفة حرب فيتنام على الولايات المتحدة: كانت حرب فيتنام مكلفة للغاية للولايات المتحدة من الناحية الاقتصادية والبشرية، حيث بلغت التكلفة المباشرة للحرب حوالي 686 مليار دولار.
- الخسائر الاقتصادية للحرب في غزة: أدت الحرب في غزة حتى الآن إلى التسبب بخسائر اقتصادية كبيرة، حيث انكمش الاقتصاد الإسرائيلي في الربع الرابع من عام 2023. كما أدى تجنيد مئات الآلاف من جنود الاحتياط إلى تعطيل العديد من القطاعات الاقتصادية.
الدعم الأمريكي:
أبرز ما يميّز قدرة كيان الاحتلال على الاستمرار في خوض حرب الاستنزاف هو الدعم العسكري والاقتصادي الكبير وغير المسبوق الذي يحصل عليه من الولايات المتحدة. هذا الدعم يخفف جزءاً كبيراً من العبء المالي المباشر عن كاهل الكيان الإسرائيلي. ومع ذلك، فإنّ هذا الدعم لا يلغي التكاليف الداخلية الكبيرة، بما في ذلك التكاليف البشرية والنفسية، وتراجع الاستثمار المحلي، والتوترات الاجتماعية والسياسية المتزايدة.
الخلاصة:
كيان الاحتلال قادر على الاستمرار في حرب الاستنزاف طالما يحصل على الدعم الأميركي الحاسم، ولكن هذا لا يعني أنه محصّن إزاء التكاليف الداخلية وتداعياتها. هذه التكاليف يمكن أن تؤدي إلى تصاعد الأزمة السياسية الداخلية ومفاقمة إرهاق الجيش والمجتمع الإسرائيليين على المدى الطويل، وهو ما قد يشبه إلى حدّ ما التداعيات النفسية والاجتماعية للاستنزاف البشري والمادي الذي عانت منه الولايات المتحدة في فيتنام.
(أخبار سوريا الوطن 1-الكاتب)