الأحد, 9 نوفمبر 2025 11:47 PM

خبير يقترح ميناء جديد كحل للعثرات الاقتصادية ونافذة لسوريا على التجارة العالمية

خبير يقترح ميناء جديد كحل للعثرات الاقتصادية ونافذة لسوريا على التجارة العالمية

تتزايد الأصوات المطالبة بتبني رؤية استثمارية جريئة تركز على تطوير الموانئ البحرية على امتداد الساحل السوري، بهدف دمج البلاد في خريطة التجارة العالمية. تكتسب الموانئ البحرية أهمية بالغة كشرايين حيوية للاقتصاد، خاصة في سوريا التي تتمتع بموقع استراتيجي على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط.

المهندس باسل كويفي، الباحث في الشؤون السياسية والاقتصادية، صرح لـ"الحرية" بأن الارتقاء بالموانئ السورية إلى مصاف الموانئ الإقليمية والعالمية يتطلب جهوداً جادة وإرادة حقيقية. وأشار إلى أن الموقع السوري يمنح البلاد فرصة لتصبح في طليعة الموانئ، شرط تطوير البنية التحتية لتصبح هذه الموانئ دعامة حقيقية للاقتصاد من خلال الترانزيت، والمناطق الحرة، والمنافذ الجمركية، بالإضافة إلى توفير فرص عمل.

الاستثمار في الموانئ .. بوابة إضافية لسوريا الجديدة إلى الاقتصاد العالمي

المتطلبات الجغرافية والجيولوجية

يرى كويفي أن إنشاء ميناء بحري حديث يتطلب تحديد منطقة بمواصفات جغرافية وجيولوجية دقيقة لضمان كفاءته واستدامته. يجب أن تكون المنطقة سهلة الوصول، متصلة بشبكة طرق عامة، ومستوية نسبياً بتضاريس قليلة، مع تفضيل امتداد أفقي للشاطئ قليل الانكسارات والانعطافات، وبمسافة لا تقل عن 3000 متر للموانئ متوسطة الحجم. كما أن وجود رأس امتداد جانبي يشكل حوضاً حاضناً للميناء يعتبر ميزة لتقليل تأثير الأمواج.

بالإضافة إلى ذلك، يجب توفر مساحات واسعة خلف الشاطئ لتلبية احتياجات الميناء المختلفة، مثل المخازن، والإدارات، والصوامع، والطرق الداخلية. ولا بد من إحاطة المرفأ بسور وبوابات متصلة بشبكة طرق عامة أو خاصة، مع ضرورة الربط بشبكة السكك الحديدية لتعزيز القدرة اللوجستية.

جيولوجياً، يفضل وجود مناطق ذات طبيعة صخرية على الشاطئ، وهي متوفرة في الساحل السوري بطبقات رسوبية وكلسية قاسية نسبياً. هذه الطبقات تسهل عملية البناء، وتتحمل الأحمال والأمواج، ويمكن استخدامها في مصدات الأمواج، كما أنها قابلة للتعامل معها هندسياً بالحفر والتشكيل. أما بالنسبة للأمواج، فارتفاعاتها في الشريط الساحلي السوري تقدر بحدود 7 أمتار في معظم الحالات، وهي ارتفاعات مقبولة بعد إنشاء مصدات الأمواج.

بوابة للتجارة العالمية

لكي يصبح الميناء وجهة لخطوط النقل البحرية العالمية، يجب أن يتمتع بميزات أساسية تشمل مساحة تزيد على 190 هكتاراً، وشروطاً تتعلق بطول الأرصفة وأعماق المراسي وغيرها. كما يتطلب عمالة مدربة ومحطة حاويات بمواصفات معينة.

مقترح استثماري

اقترح المهندس كويفي إنشاء ميناء جديد في المنطقة الساحلية، مؤكداً أنه وبناءً على دراسات سابقة توجد مناطق ملائمة لإقامة ميناء استثماري حديث. ويرى كويفي أن هذه المنطقة تحتوي على شبكة طرق قريبة، ومساحات كبيرة لاستخدامها في ساحات التخزين والميناء الجاف ومستودعات التخزين متعددة الاستخدامات. إضافة إلى ذلك، فإن محطات الحاويات متاحة بشكل كبير، وسكة القطار قريبة، وشبكة الطرق العامة متوافرة ويمكن إعادة تأهيلها بعد البدء بالمشروع الحيوي والاستراتيجي.

إمكانيات مهدرة ودروس مستفادة

تضم سوريا حالياً ثمانية موانئ (اللاذقية، طرطوس، الطاحونة، المصب النفطي، بانياس، جبلة، أرواد، المينا البيضا). ويُعد ميناء اللاذقية أقدمها وأكبرها، حيث كان قرار إنشائه عام 1950 قراراً سياسياً سيادياً اقتصادياً تنموياً هاماً، إلا أن خطة توسيعه في عام 1980 حولته إلى القطاع العام، الذي لم يستطع مواكبة التطورات بسبب الفساد والبيروقراطية وفقاً لكويفي.

ويضيف: الوضع لم يكن أفضل في مرفأ طرطوس الذي أنشئ عام 1969، حيث أخفقت الحكومات المتعاقبة خلال فترة حكم النظام البائد في استثمار هذه الموانئ بالشكل الصحيح، ولم تعمل على التطوير للاستفادة من الموقع الجيوسياسي المهم. ويبلغ طول الشاطئ السوري الحالي حوالي 185 كم، ويعد من الشواطئ الأكثر استقراراً في شرق المتوسط، مع ظاهرة مد وجزر محدودة.

الفوائد المتوقعة

يحقق الاستثمار في ميناء حديث على الساحل فوائد جمة:

  1. اقتصادية: جذب خطوط ملاحية عالمية، زيادة حركة الترانزيت، إنشاء مناطق حرة، وتوفير آلاف فرص العمل.
  2. استراتيجية: تعزيز موقع سوريا في الشبكة التجارية العالمية والتحكم بالممرات التجارية، ما يعكس أهمية جيوسياسية كبيرة على الممرات والطرق البرية والبحرية (عسكرية، تجارية، خطوط أنابيب النفط والغاز).
  3. لوجستية: تقديم خدمات متكاملة تشمل المناولة، التفريغ، التخزين، إعادة التصدير، الإمداد البحري وتزويد السفن بالوقود، الإصلاح والسحب والقطر، إرشاد السفن، وإعادة تجهيزها فنياً ولوجستياً.

نحو مستقبل واعد

ولضمان نجاح هذا الخطوة يؤكد كويفي ضرورة التعاون مع كبرى الشركات المشغلة لمحطات الحاويات في العالم، وتبسيط الإجراءات البيروقراطية، وتوفير بيئة قانونية جاذبة للاستثمار تحمي حقوق التملك والحيازة وتداول الأسهم والقطع الأجنبي، بالإضافة إلى تطوير البنية التحتية الداعمة. ويتطلب تحقيق هذه الرؤية تجاوز إخفاقات الماضي، وتبني إرادة سياسية واقتصادية حقيقية، والعمل على توفير بيئة استثمارية جاذبة، بعيداً عن البيروقراطية والفساد. فالموانئ ليست مجرد نقاط عبور، بل هي محركات تنمية شاملة، وبناء ميناء سوري حديث يمكن أن يكون حجر الزاوية في إعادة بناء الاقتصاد السوري وربطه بالعالم.

اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية

مشاركة المقال: